بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الخميس، 10 مايو 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: مابعد الايديولوجيا "الاستقرار"لا يطلبه المستفيدون من الوضع فحسب



تثبيت الوضع كي تطمئن القلوب.. فما نعرفه خير وأفضل مما نجهله.. تفضيل التغييرات البطيئة والمتأنية التي تتم على مسافات زمنية، رفض ارتباك الرؤية نتيجة تغيرات سريعة.. تثبيت اللحظة الاجتماعية في إطار علاقات قوة مفهومة، أيا كان وضعنا فيها.. خير من إزعاج إعادة بناء المشهد من جديد.
أطر عقلية عامة يفضل العقل البشري استخدامها ضمن تكتيكات أخرى تصب في نفس المسار، مثل عمليات التنميط، التعميم، الاستكمال.. إلخ.. تمثل جميعها بنية معرفية واجتماعية لغالبية البشر، تصاغ جميعها في إطار تعبير اجتماعي (دارج) وهو الاستقرار..
رأينا ذلك عبر أحداث تاريخية متنوعة، في مواجهة (ثورات) علمية/ معرفية يتم محاربتها بقوة، (الثورة العلمية/ المعرفية أثناء عصر النهضة الأوروبية) مثلما رأيناها في ثورات اجتماعية متباينة الأشكال، (في ظني أن تاريخ الدعوة المحمدية لم يكن في أحد تجلياته إلا تعبيرا عن ثورة اجتماعية)، تواجه دائما هذه الثورات ومثيلاتها بعنف اجتماعي متفاوت القوة، يرفض الدخول في مشهد مرتبك، يبدو فوضويا، بديلا عن مشهد ثابت العلاقات، يبدو واقعيا، متماسكا، نستطيع فهمه والتعامل معه، فالبديل لا يكون جاهزا، بل عادة ما يتشكل لحظة بلحظة، يسيطر عليه القلق، وربما تحكمه قواعد التجربة والخطأ، ذلك لأنه في العادة ما تكون الخبرات السابقة غير ذات قيمة كبيرة في هذه الأطر الجديدة، فتجليات التغيير التي تعبر عنها الثورة تبدو كمعول هدم أسطوري يدمر البنى المادية، الفيزيقة، المعرفية، الاجتماعية، القديمة، وعادة ما يزعج هذا الفعل الراغبين في (الاستقرار)، ذلك لأن الثورة تعرف بيقين ما ترفضه، لكنها في أغلب الأحيان، لا تعرف ما تريد بناءه، وهي سمة تكاد تلتصق بالفعل الثوري، حتى وإن اعتمدت في فورانها الأولي على رؤية واضحة، ترتكن على نظرية تبدو متماسكة ومؤسسة معرفيا، إلا أن الفعل الثوري عندما يتم في إطار الواقع المادي لا يمكن له أن يتخذ منحى الخطة جاهزة الإعداد، سابقة التحضير، فهو فعل يتسم بالطزاجة والجدة، يواجه بعناصر الواقع الفيزيقي، فينتج هذا التلاقي الدرامي واقعا جديدا.
يبدو أن تشكل الوعي الجمعي إذن يصب في صالح تغييرات بطيئة حتى وإن كانت جذرية، تبدو بالنسبة للغالبية من البشر (منطقية) وهي تبدو كذلك في بعض جوانبها، حيث تتم في سياق لا يتسم بـ(العنف) على المستوى الاجتماعي، أو (التعجل) على المستوى الاقتصادي، فالتراكم الكمي الذي لا يبدو للعيان، والذي (ربما) يرفضه كثيرون من (دعاة الثورة)، هو عملية تغيير بطيئة وتبدو آمنة بالنسبة لكثيرون من أفراد المجتمع، إذ عادة ما يتمكنون من التعامل معها رغم رفض بعضهم لها (حتى وإن صبت في غير صالحهم).. وربما يكون النموذج المثالي هو عملية إعادة الهيكلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تمت في المجتمع المصري خلال فترة السبعينات والتي امتدت مشاهدها طوال ثمانينات وربما تسعينات القرن الماضي ليفاجأ بعضنا بمشهد مغاير تماما للمجتمع المصري يحتاج بالفعل إلى إعادة دراسة للتعرف على مكوناته العامة والخاصة لنتمكن من رسم المشهد الجديد بكل ملامحه الراهنة والتي قد لا تعجب بعضنا..
وفي ظني أن عملية التغيير هذه قد تتراءى لنا عبر مشاهد تتسم بالعشوائية، ولكن بتجميع فسيفساء الأحداث، قد نرى فيما وراءها استراتيجية شديدة التعقيد والتنظيم تمكنت من إعادة تشكيل ملامح الشخصية المصرية، لدرجة يبدو بعضهم في التعامل معها مثل العائدون من الكهف (انظر لخطاب بعض القوى اليسارية) بل قد يتم استدعاء لخطاب قديم، وتجهيز المسرح له، بحيث يبدو منطقيا، وفي ظني أن النجاح غير أكيد، (أنظر لخطاب بعض القوى اليمينية الوطنية).
عملية التغيير إذن، والتي ربما أوافق على أنها حتمية، تحتاج إلى رؤية واضحة على المستوى العام/ النظري، مثلما تحتاج إلى برنامج واضح المعالم على المستوى الخاص/ التطبيقي، أو إعداد مكتمل المعالم لبرنامج العمل، وحده هو القادر على إحداث تغيير، حيث يجب أن ندرك أن حتمية التغيير لاتعني بالضرورة حتمية المسار، فقد يأتي التغيير في مجمله على غير هوى كثيرون من أصحاب النزعات الثورية، فالقضية ليست قضية (حق) في مواجهة (باطل) كما يحب البعض أن يعبر عنها، والتي ينبغي لها أن تنتهي بانتصار الحق كما يحدث في الأفلام العربية.
في واقع الحال أن المطالبون بالعدل والحرية والمساواة.. إلخ من دعاة الثورة ليسوا وحدهم في المشهد السياسي الاجتماعي، وقد ظهر أيضا أنهم لا يمتلكون خطابا مقنعا لهؤلاء الذين يزعمون أنهم يعبرون عن مصالحهم، فالأحداث الأخيرة في مصر تشير بوضوح إلى تهافت الرؤية والخطاب الذي تتبناه هذه القوى (الثورية) عند غالبية المجتمع، ولا أستطيع أن أتهم الجميع بالفساد أو الغباء رغم سهولة ذلك، ولكن من الأفضل أن أتحدث عن عدم نضج الشروط الموضوعية والذاتية التي ربما تستدعي تغييرا جذريا كالذي كان مرشحا (أو يأملون) أن يحدث عقب ثورة يناير 2011، وهو الأمر الذي تم التعبير عنه بوضوح من خلال تجليات عديدة أثناء وبعد الثمانية عشر يوما العظيمة، إذ تجلت لحظة الذروة عند تنحي مبارك (رأس النظام السابق) وكأنها حدثا دراماتيكيا فاصلا يؤذن بحدوث مثل هذه التغييرات بحيث تنقل المجتمع المصري نقلة (كيفية) تعبر عن طموحات المعتصمين في ميدان التحرير إبان الثورة، وتعلن من خلاله إعلان نجاح ثورة يناير.
احتفلت جموع المصريين بهذا الحدث الجلل، في الوقت الذي كان الحدث لا يعبر سوى عن عملية تسليم داخلي للسلطة أزيح فيه رأس النظام وبعض من المقربين منه، بدأت بعده جولات أخرى تراجعت فيها الثورة تباعا، وخفت صوتها، واختفى ممثلوها عن المشهدا رويدا رويدا، ولم يبق سوى أحداث تؤكد عدم نجاح الثورة بل على كونها مازالت قوية، وتؤكد الأحداث على أنها أخذت في التراجع والتواري حتى جاءت لحظة الانتصار الحاسمة للقوى المناهضة لعملية التغيير كما يراها (الثوار) وهي لحظة الخروج العظيم في الثلاثين من يونيو، والتي كانت تعبر عن سياق اجتماعي آخر، لا يوافق على صيغة (الحركة الثورية) وآليات عملها وآليات التغيير التي كانت تريدها وتدعوا لها، وربما يكون ذلك مدعوما من بعض القوى المناهضة لعملية التغيير (النظام السابق) أو لا، ولكنه كان خطابا مغايرا لخطاب ثورة يناير في كل الأحوال، وهو ما استدعى شعورا بالهزيمة والمرارة، إذ تمثله كثيرون من الثوار وكأنه لحظة خيانة، وهو في الواقع يعبر عن لحظة فشل في إدارة معركة سياسية/ ثورية، ولحظة نجاح بامتياز للقوى المناهضة.
وفي كل الأحوال يأتي المشهد السياسي/ الاجتماعي مصحوبا بتفصيلات هامشية ولكنها تحتل أحيانا المشهد الرئيسي، فكثيرون من دعاة الثورة محملون بأفكار ومبادئ لا تخلو من الرومانسية بل مع الاعتذار (السذاجة السياسية)، حيث يتخيلون أن مجرد المناداة بمبادئ تصب في مصلحة الفقراء أو العمال أو الكادحيين تعني أن ينحاز هؤلاء لهم، غائب عنهم تفصيلات أخرى ربما تحتل المشهد في لحظة ما قد تبدو صغيرة أو غير مؤثرة عند البعض، مثل الشعور الديني المتصاعد، أو الشعور القومي ورغبة طرف ما في تأجيجه، كما أنهم لا يدخلون في تحليلاتهم السياسية تطلعات بعض القوى الهامشية في فرض رؤيتها في لحظة الارتباك الاجتماعية التي تصحب الثورة، مثل رغبة بعض القوى السلفية في تطبيق الشريعة، رغبة بعض القوى اليسارية في اقتياد الحركة الثورية نحو خطوات أبعد مما تحتمله طبيعة العلاقات الاجتماعية السائدة، أو ربما عودة لحنين قديم لتصدير نموذج سياسي/ اجتماعي ما، كدولة الخلافة، أو الدولة الناصرية.. الخ، وهي محاولات قد تبدو وكأنها ظهرت من عدم، في حين أن كثيرون منا يحيون على تفصيلات شبيهة، تتراوح أصداء الماضي فيها بنسب متفاوتة، ولكن تظل تمثل جزء ما من انحيازاتنا، التي تدفعنا لاتخاذ قرارات مصيرية.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: مابعد الايديولوجيا "الاستقرار"لا يطلبه المستفيدون من الوضع فحسب Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top