بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 12 مارس 2018

الكلمات الأخيرة لـ " باولو فريري"


قراءة في كتاب: المعلمون بناة ثقافة 
رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التعليم مهنة


" لا يصبح أحدأ فجأة ناضجًا في الخامسة والعشرين من عمره، إذ إننا نصبح ناضجين مع كل يوم يمر علينا. إن الاستقلالية عملية نضج، أي عملية تشكيل الوجود، وهي لا تحدث في وقت معين، وإنما هي مرهونة بالخبرات التي تثير اتخاذ القرار والمسؤولية. وبهذا المعنى يجب أن يرتكز تعليم الاستقلالية على حق الحوار والحديث مع الآخر، لا الحديث إلى الآخر".


يعد هذا الكتاب آخر منتج فكري لفيلسوف التربية المعروف (باولو فريري)، وفيه يتوجه برسائل ذات دلالة إلى المسئولين عن التربية والتعليم، مستندا في رسائله على المبادئ والقيم التي سعى إلى تأصيلها على مدار سنوات عمره (1921- 1997) الذي يحفل بالمعارك الفكرية مثلما يحفل بالإنتاج العلمي المعني بالتربية والتعليم، إذ يُصنف باولو فيريري ضمن كبار مفكري التربية النقدية في العالم، ولعل ذلك يرجع إلى كونه أحد كبار رجال التربية الذين كرسوا حياتهم لنصرة الضعفاء والفقراء والمهمشين، حيث جعل من التعليم والوعي النقدي سبيلًا للتحرر من القهر وصولاً إلى الحرية وتمكين المقهورين من مقدراتهم، ويعود أيضًا إلى كونه تجاسر واقتحم معاقل التعليم التقليدية بما لديه من أفكار تحررية ليقوض أركانها النمطية التي فرضت سطوتها على الإنسان، فهاجم ثنائية المعلم/ التلميذ ومفهوم التعليم البنكي القائم على التلقين.
ويرتكز منهج فريري في التعليم على الحوار الذي يسعى إلى خلق حالة من الوعي النقدي تفضي إلى إحداث فعل جماعي يتسم بالإيجابية لتغيير الواقع، والتمرد على ثقافة الصمت بما يؤدي إلى أنسنة المجتمع البشري والخلاص من ثقافة التسلط التي تتأصل في منظومة التعليم من خلال المنهج التقليدي القائم على الحفظ والتلقين، فدور المعلم لا يقوم على (ملء) عقول المتعلمين بالمعرفة، فنية كانت أو غير ذلك، ولكنه يتجسد في محاولة للتحرك نحو أسلوب جديد في التفكير لدى كل من المتعلم والمعلم من خلال العلاقة الحوارية.
ومن ثم فإن أفضل الطلاب في مواد الفيزياء أو الرياضيات ليسوا أولئك الذين يحفظون معادلاتها، وإنما هم أولئك الذين يدركون الأسباب والعوامل التي أدت إلى بلورة تلك المعادلات؛ أما إذا ما قام الدارسون باستقبال محتوى المناهج التي تصب في عقولهم باسم المعرفة بإذعان، أصبحوا غير قادرين على التفكير وازدادوا ميلًا نحو التكرار والاجترار.
ولقد تبلورت هذه الفلسفة التي تقوم في صميمها على المنحى (الإنساني الديموقراطي) عبر خبرات حياتية، ورؤية نقدية، ومعاناة لسنوات طوال، تمكن خلالها من صياغة فلسفته التربوية، تلك الفلسفة التي يتبناها ويؤمن بها عديد من التربويين على مستوى بلدان العالم، بوصفها فلسفة إنسانية تؤمن بطاقات الإنسان وقدرته على صناعة التاريخ، وتدعم ثقته في نفسه بوصفه فاعلا قادرا على تغيير واقعه، من خلال إيمان عميق بضرورة الديموقراطية القائمة على الحوار البناء، والإيمان بقيم العدل والمساواة، رافضة لكافة أشكال القهر والتسلط التي يمكن أن تنتج عن أنماط التعليم التقليدية المنتشرة في المدارس.

يحتوي الكتاب على عشرة رسائل، مضافا إليها رسالتين تمثلان مقدمة بعنوان (الكلمات الأولى)، وخاتمة بعنوان (الكلمات الأخيرة)، وما بينهما من الرسائل العشر التي يتوجه بها إلى القائمين على التعليم في مستوياته المختلفة من معلمين ومسئولين عن منظومة التربية والتعليم، يتناول من خلالها مواقف تعليمية متعددة، تواجه المعلم في ممارساته اليومية، حيث يدخل من خلال رسائله العشر الفصل مع المعلم الجديد، في أول درس من دروسه في المدرسة، وتمتد لتشمل علاقة المعلمين بطلابهم، وإشكاليات النظام التعليمي في ظل الإدارة البيروقراطية، والتقويم والمتابعة، إلى أن يصل إلى السمات التي ينبغي أن يتحلى بها المعلم.
ويقع الكتاب فى عشر رسائل تمثل أهمية بالغة لكل من يطمع فى أن يتشرف بأداء أنبل وأقدس مهمة عرفتها الإنسانية.. تبدأ أولها بأهمية قراءة الكلمة التى تحمل المفتاح السحرى فى قراءة العالم وفهمه... ثم أهمية المناخ الديموقراطى الآمن فى رسم ملامح الإبداع في إطار العملية التعليمية.. وأهمية برامج الإعداد فى خلق القدرة والمهارة .. ثم رسم أطر العلاقة المثالية بين المعلم والمتعلم ثم يتناول مفهوم الهوية الثقافية وعلاقتها بالتعلم.. وكيف أننا نصبح مخلوقات خاصة وفريدة إذا أدركنا عمق هويتنا فى سياق واقعى لا ينفصل عن السياق المادى.. فتتشكل ملامح النظام الأمثل لما يجب أن تكون عليه طبيعة هذا النظام .. متوصلاً إلى خلاصة جوهرية لا يستغنى عنها المعلمون بناة الثقافة.. وهى أن تعرف وأن تنمو.. فتجد أنه من أيسر السبل أن تتم رؤية كل شىء فيما بعد.. هذه هى ملامح رسالة المعلمين بناة الثقافة، التى يشكل استيعابها بداية المسار السليم للإصلاح التعليمى..
وفي ثنايا كل هذه الرسائل تتشابك إشكاليات الواقع مع طموحات التغيير، والرؤية النظرية مع الممارسة، في إطار فلسفة تربوية متماسكة البنيان، يقول عنه (شيخ التربويين) الأستاذ الدكتور حامد عمار: "إننا إزاء كتاب مبدع، تتلاقح فيه قضايا التربية والتعليم مع الفلسفة (وجودا ومعرفة وأخلاقا)،  ومع الاجتماع (بنية وعلاقات وديناميات)، ومع السياسة (نظاما وقوة وأيديولوجيا)، وهو جدير بأن يحظى باتساع قرائه بين مختلف فروع العلوم الاجتماعية والسياسية والإنسانية، إلى جانب المعلمين والتربويين".
المقدمة: الكلمات الأولى ... شرك تربوي
في هذه الرسالة يقوم (فريري) بمناقشة عنوان الكتاب موضحا ضرورة القيام بعملية تحليل لكلماته حيث يطرح دور المعلمين ومهامهم الأساسية وعلاقتهم بطلابهم ويقدم بعض الأفكار حول عملية التدريس واختلافها عن الوالدية، مؤكدا على أن التدريس مهنة تتضمن مهمة محددة ومتطلبات خاصة غير تلك التي يجب أن تتوافر للأب/الأم، ويراها تفرقة مهمة لتوضيح الأدوار والممارسات التي ينبغي للمعلم القيام بها للنضال من أجل تحسين الظروف البيئية لمنظومة التعليم/التعلم السائدة التي تتسم عادة بالنمطية والتقليدية، وسعيه من أجل مواجهة البيروقراطية الإدارية التي تسيطر على هذه المنظومة، وتعرج الرسالة للحديث عن عملية تقييم وتدريب المعلمين وأهميتها في إطار من التعلم المستمر، وليس التقييم من أجل العقاب.
كما يرفض عمليات التعليب التي يسعى (الخبراء) دائما إلى وضع المعلم في إطارها. ويختم فريري رسالته بكلمة معبرة عن موقفه الذي يمتاز بالوضوح دائما إذ يقول: وهكذا ... فإن قضية التمسك بدور المعلم معلما، لا والديا، يشير إلى حقيقة أننا جميعا نمتلك الخبرة والواجب في أن نكافح من أجل الاستمتاع بالحق في أن نكون أنفسنا، نختار ونقرر، ونكتشف الأقنعة لتنجلي الحقائق.. يبقى المعلم معلما، ويبقى الوالدين والدين، وربما نجد والدا لا يحب أطفاله كما ينبغي، وقد لا يحب تماما دور الوالدية... لكنني لا أستطيع أن أتصور أن معلما لا يحب طلابه، على الرغم من إدراكه بأن الحب وحده لا يكفي.
الرسالة الأولى: قراءة الكلمة تمكن من قراء العالم
يطرح "فريري" من خلال رسالته الأولى لهؤلاء الذين يتجاسرون على اتخاذ التدريس مهنة لهم أهمية الوعي المسبق بالمحتوى الذي سيقومون بتدريسه، لكي يتمكنوا من فهمه، ومن ثم التعامل معه وتقديمه للمتعلم، فقدرة المعلم الأولى على التعلم تكمن في بحثه الدؤوب عن الطريقة التي تجعله متوحدا مع حب استطلاع تلاميذه،وما يتوقون إلى معرفته، مغلفا ذلك بمرونة ذهنية وتواضع علمي، فإعداد الفرد للتعلم والدراسة هو في صميمه نشاط ناقد ومبدع ومتجدد، ولا يمكن لإنسان أن يدرس دراسة أصيلة إن لم يتخذ من النقد سبيلا في دراسته أو قراءته، فالقراءة هي عملية بحث وفهم واع وخبرة إبداعية حول الفهم والتواصل الشامل. إذ من الضروري أن نأخذ في الاعتبار الامتلاك النقدي لتكوين ذواتنا، والذي يتشكل اجتماعيا ليكون قوة ناشطة واعية تتتكلم وتقرأ وتكتب وهذا هو المغزى الناقد للتدريس والتعلم.
الرسالة الثانية: لا تجعل الخوف مما هو صعب يشل حركتك
يؤكد "فريري" على أن أحد أخطائنا الفادحة التي يمكن أن نرتكبها سواء كنا معلمين أو متعلمين يتمثل في انسحابنا المسبق من مجواجهة أول صعوبة تقف في طريقنا، فنادرا ما يوجد نص طيعا لفهم القارئ، وملائما لفضوله، ومن ثم قدرتنا على التعامل مع النص بحميمية تمكننا من دراسة حقائقه وخفاياه، ونقاط ضعفه وقوته نستطيع كشف غموضه، فقراءة النص ما هي إلا علاقة تعامد مشترك بين النص والقارئ، وفيها يعيد القارئ كتابة النص المقروء.
الرسالة الثالثة: لقد التحقت ببرنامج إعداد المعلم حين لم أجد خيارات أخرى
يؤكد باولو فريري على ضرورة النضال الدائم من أجل تحسين شروط العمل للمعلم على كل المستويات منذ مرحلة الإعداد التي تؤهله للقيام بعملية التدريس وحتى الظروف الموضوعية والذاتية التي يجد نفسه محاطا بها ، وأن ييؤمن أثناء نضاله اليومي بأنه لن تستطيع أمة أن تؤكد ذاتها من خلال أشةاقها الحارة نحو المعرفةدون أن تغامر بمشاعرها من اجل التجديد المتواصل لذاتها، ودون أن تحتمل المخاطر الخلاقةالحتملة، ولن يستطيع مجتمع أن يؤكد ذاته دون تنمية ثقافته وعلمه وقدراته البحثية والتكنولوجية وأخيرا نظامتعليمه ... وكل هذا يبدأ من المدرسة الابتدائية.
الرسالة الرابعة: الصفات اللازمة للمعلمين التقدميين من أجل أداء أفضل
يوصي فريري المعلمون بالتحلي بمجموعة من الصفات التي يراها ضرورية لكل معلم ويضع في مقدمتها التواضع مؤكدا على أن التواضع هو في صميمه تعبير راق عن الثقة في النفس، وتقدير الذات واحترام الآخرين، ويعقبها بصفة أخرى تحدث كثيرا عنها في كتاباته المختلفة وهي المحبة، ويؤكد أنه حين يشير إلى المحبة فإنه يقصد امتدادها للطلاب وعملية التدريس ذاتها، ويعتبرها الصفة التي تمنح المعلم القدرة على مواصلة نضاله ومجابهة سلبيات مهنته بشجاعة، وتأتي صفة التسامح لتشكل ثالوثا هاما لصفات المعلم الذي يبحث عن أداء أفضل ليس بوصفها صفة تعبر عن تعال ما أو رغبة في الارتفاع قليلا عن الآخر والتفضل عليه بل بوصفها صفة تكسبني التوازن والاتساق مع وجودي وتاريخي، ثم يجمل فريري مجموعة من الصفات العامة مثل الحسم، والشعور بالأمان، والتوتر القائم بين الصبر وعدم الصبرأو التعجل، وأخير بهجة العيش.
الرسالة الخامسة: أول يوم في المدرسة
اليوم الأول للمعلم لن يكون خاليا من التوتر وعدم الطمأنينة لا محالة، ومن الطبيعي التعرض لمشاعر الخوف، والذي يجعل المعلم قادرا على مواجهة مخاوفة هو عملية التدريب الجيدن والقدرة على التعلم الذاتي والمستمر، والقدرة على تقبل النقد والتقييم الذاتي والموضوعي لتحسين الأداء، وإذا مع أكدنا على صفات المعلم الجيد ودربنا المعلم الجديد عليها يصبح قادرا من خلال تواضعه وثقته في نفسه من التعامل مع مخاوفه.
الرسالة السادسة:عن العلاقة بين المعلم والمتعلم
إن العلاقة بين المعلمين والمتعلمين علاقة معقدة وأساسية وصعبة، يجب أن تتم في مناخ من الديموقراطية والاحترام المتبادل، وقد طرح فريري قضية هامة في بدء الحديث حولها وهي  ضرورة الاتساق بين ما نقول وما نفعل، والتي يجب أن تتضمنها الممارسة التعليمية، وأن أية مظاهر تعبر عن تناقض بين ما يقوله المعلم وما يفعله سيكون تاثيرها كبير، خاصة وأن الأطفال لديهم حساسية شديدة للمدرسين الذين يفعلون عكس ما يقولون، كما يؤكد على نوع من التعاقد الذي لا يجب أن يفتقد في العلاقة بين المعلم والطالب وذلك هو الالتزام المستمر بالعدل، والحرية، والحقوق الفردية، والدفاع عن الضعفاء.
الرسالة السابعة: من مجرد الحديث إلى الطلاب إلى الحديث إليهم ومعهم، ومن مجرد الاستماع إليهم إلى جعلهم يستمعون إلينا
يؤكد فريري أنه من المهم أن نعيش الخبرة المتناغمة والمتوازنة بين التحدث إلى المتعلمين والتحدث معهم، ويرى أنه إذا قرر المعلم أن يعيش التجربة الديموقراطية فإنه بذلك يعيشون التجربة الصعبة، ولكنها الممكنة والممتعة أيضا، فالحوار الذي يدور بين المعلم والمتعلم عادة لا يرتكز على المحتوى التعليمي فحسب بل يدور حول الحياة نفسها، ويهيء ذلك مناخا مفتوحا وحرا في بيئة التعلم داخل الفصل الدراسي، ونضالنا من أجل تضييق الفجوة بين ما نقول وما نفعل، من خلال تأمل تجاربنا ونقد ممارساتنا هو السبيل للوصول إلى حلم الديموقراطية.
الرسالة الثامنة: الهوية الثقافية والتعلم
إن أهمية هوية كل فرد منا معلما ومتعلما كأداة في الممارسة التعليمية مسألة واضحة، كما تبدو أهمية وجودنا كمنتج للعلاقة المشحونة بالتوتر بين ما نرثه وما نكتسبه، وبالتالي يمثل المناخ العام الذي نعيش فيه عاملا هاما في بناء عملية التعليم ، فالهوية الثقافية للمعلم، وكذلك للمتعلم تلعب دورا هاما في بناء العلاقات داخل الممارسة التعليمية وتؤثر فيها، فما بين احترام ثقافة المتعلم وسياقه الاجتماعي وبين الرغبة في تغيير بعض العادات الثقافية غير المناسبة تعقيدات يجب أن توضع في عين الاعتبار عند القيام بعملية التدريس التي لا يمكن أن تتم بمعزل عن السياق العام والخبرات الحياتية للمتعلم، فالمدرسة الديموقراطية لا يجب أن تكون مفتوحة دائما مفتوحة على السياق الواقعي للطلاب فحسب بل عليها أن تتسم بقدر من التواضع في التعامل مع هذه السياق الواقعي للطلاب.
الرسالة التاسعة: السياق الواقعي والسياق المادي
نحن الكائنات الوحيدة القادرة على أن تكون ذاتا وموضوعا في الوقت نفسه، فاعلين ومفعولينن، ونحن نعي هذا بدرجات متفاوتة، ومن ثم لا يمكننا التغافل عن السياق المادي الذي يعيشه الطلاب وطبيعته بأي حال من الأحوال، ومن هنا فمن الضروري عند إعداد المعلم وتهيئته نظريا أن نمنحه المهارات التي تؤهله لدراسة الواقع دراسة نقدية، تمكنه من التعامل مع هذا السياق المادي ومراعاته عند ممارسة التعليم وتقديم العالم للطلاب بشكل نقدي، والربط الحذر بين النظرية والممارسة.
الرسالة العاشرة:قضية النظام مرة أخرى
يمثل التعليم منظومة متكاملة لا يمكن فصل عناصرها عن بعضها مهما كانت الحجج،وبدون هذا النظام العقلي المتكامل لا يستطيع الفرد أن يخلق عملا فكريا، أو أن يقرأ بوضوح، أو أن يكتب بعناية، أو أن يلاحظ ويحلل ويقيم العلاقات بين الحقائق، ومسئوليتنا السياسية والأخلاقية والجمالية والتعليمية والعلمية بوصفنا كائنات اجتماعية وتاريخية تدفعنا إلى الالتزام بضرورة صياغة نظام تعليمي عقلاني يتضمن كافة عناصر الإنسان المادية والمعنوية، ويراعي سياقه الواقعي ومعاناته اليومية .
الكلمات الأخيرة:
نحن كائنات وراثية ثقافية، ونتيجة لأننا "مبرمجون للتعلم" نعيش ونختبر، ولسوف نجد انفسنا معرضين إلى الخبرات الناجمة عن العلاقة بين ما نرثه وما نكتسبه، فنحن لسنا الطبيعة وحدها، كما أننا لسنا من تشكيل الثقافة والتعليم وإعمال الفكر فحسب، وهكذا فإن النمو لدينا هو خبرة تتأثر بالوراثة البيولوجية، والظروف النفسية والثقافية والتاريخ والتعليم والسياسة والجماليات والأخلاق، ومن خلال النمو في تكامله يصبح كل منا في حالة تناغم في كينونته، مع أننا عادة ما نفتقر إلى نزعة الكفاح لتحقيق ذلك النمو المتكامل المتناغم الذي ينبغي أن نطمح إلى بلوغه، مثلما علينا أن نطمح إلى أن ننمو نموا سويا بدنيا بما يشمله ذلك من النمو في جميع أعضاء أجسامنا، وأن ننمو عاطفيا بصورة متزنة، وأن ننمو فكريا من خلال المشاركة في الممارسات التعليمية كميا وكيفيا، من خلال ما تتيحه المؤسسات التعليمية، وأن ننمو بذوق طيب حيال العالم الذي نعيش فيه، وأن نطمح أيضا إلى أن ننمو مع الاحترام المتبادل من أجل التغلب على جميع العقبات التي تحول دون النمو المتكامل لملايين البشر المنتشرين في البقاع التي ينقسم إليها عالمنا.



هوامش :
اسم الكتاب: المعلمون بناة ثقافة – رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التعليم مهنة.
تأليف: باولو فريري.
ترجمة: د.حامد عمار_ د. عبدالراصي إبراهيم- د. لمياء محمد أحمد.
الناشر: الدار المصرية اللبنانية- القاهرة.
سنة النشر: 2004 .
ملحوظة: أعيد نشره في العام 2005 ضمن منشورات ( القراءة للجميع - مكتبة الأسرة)    بمعرفة الهيئة المصرية العامة للكتاب.
باولو فريري: ولد باولو فريري' في وسط أسرة من الطبقة المتوسطة الفقيرة بمدينة ريسيف، البرازيل في 19 من سبتمبر 1921. واختبر فيراري الفقر والجوع خلال الكساد الكبير الذي حدث في عام 1929و هذه التجربة كانت بداية اهتمامه بالفقراء و ساعدته على تكوين رؤيته للتعليم التي خرجت فيما بعد في صورة نظريات ذات تأثير عالمي واسع.
التحق فريري بكلية الحقوق، جامعة ريسيف في 1943، وهناك درس الفلسفة و علم النفس اللغة في نفس الوقت. أيضاً التحق بالبيروقراطية القانونية ولكنه لم يمارس المحاماة حيث أنه فضل إعطاء دروس لغة برتغالية للمرحلة الثانوية. تزوج في عام 1944 من إليسا مايا كوستا دي أوليفيرا، مدرسة في المرحلة الابتدائية، وأصبح لديهم خمسة أولاد.
يصنفه العديد من الباحثين التربويين ضمن كبار الرواد المؤسسين للتربية النقدية أمثال: أريك فروم ، وبيير بورديو، وبرتستين، والحق أن الرجل له من القيمة والأهمية ما يجعله لا يقل عن هؤلاء المفكرين الكبار في الدرجة والمكانة من حيث قدرته على التحليل وطرح الأفكار ومناقشة الرؤى والتصورات التربوية، ولقد برز ذلك جليًا من خلال العديد من المؤلفات التي أثرى بها مكتبة الفكر التربوي، ونذكر منها:
التعليم كممارسة للحرية.
نظرات في تربية المعذبين في الأرض.
تربية الحرية.
المعلمون بناة الثقافة.
الفعل الثقافي من أجل الحرية.
وأكثر أعماله أهمية وإثارة للجدل (تربية المقهورين).

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الكلمات الأخيرة لـ " باولو فريري" Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top