بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 12 مارس 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: أوهام العقل (3)



يتبنى (العقل) آليات تفكير تنتمي لزمن التكوين الأول، عندما كان الإنسان في طوره البدائي، كان يرغب دائما في تثبيت اللحظة الآنية، فالعالم يبدو وكأنه حلم يفلت من التعين، بأسلوب يدعو إلى التوتر، ويضع العقل في قلق دائم، وحين يصل إلى نقطة اليأس، يتعين الحلم بكثافة غامضة، مريبة، فيرتد العقل على ذاته فاحصا، فتستغلق عليه الأفكار، وتتلألأ الأشياء من جديد، وتعيده الدهشة إلى نقطة البدء، التي تعني في اللحظة نفسها " سيلان الصيرورة " فيتمنى وضع مشهد ما من الصيرورة في متناول يده، ليتعرف عليه ويدرك مغزاه.
وربما نجحت طرائق التفكير هذه في انتاج معارف متنوعة، تطورت عبر الزمان والمكان، كان سعيها الأول هو محاولات للتفاعل مع هذا الواقع الخطر الذي يحيط به. فالطبيعة لم تكن دائما أما حنونا، بل أحيانا ما كانت قسوتها ترغمه على فعل اشياء تبدو مستحيلة، مثلما دفعت مخيلته تمتلئ بمخاوف لا حصر لها، فالإنسان البدائي (الذي يتلبسنا أحيانا)، من خلال نظرته "الحيوية" للطبيعة" يضع نسقا أوليا للتواصل مع العالم، عبر إضفائه الحياة على كل مفرداته، حيث يقدم ما هو "مادة" على ما هو "فكر"، وما هو "آني" على ما هو " آت"، فالوجود يتبدى بكثافة في اللحظة الآنية، دون غيرها من اللحظات، حيث الحضور المادي أكثر كثافة من الحضور المجرد، وغياب المدلول يجعل التواصل مع العالم أكثر يسرا من التواصل مع "الذات"، فيرى الإنسان ذاته بوصفه مفردة ضمن مفردات الطبيعة، فيتأسس الوعي بالعالم، وينشغل الإنسان به، وفي هذه اللحظة يصبح الحديث عن العالم فوضويا، يختلط فيه العلم بالخرافة، والخرافة بالمنطق، وجميعهم يغلف بغلاف ديني مقدس، وعندها يطرح السؤال نفسه من جديد، وتشتد الأزمة المعرفية، وتختلط الأوراق، ويقف العقل حائرا لا يلوي على شيء.
وهكذا يظل الماضي حاضرا فينا ومؤثرا في أشكال المستقبل التي نبتغيها، يحاورنا أحيانا، ويهاجمنا ويفسد أحلامنا أحيانا أخرى، ويطاردنا في كل الأحيان، ويبقى دائما فاعلا فينا، يطرح علينا حلولا جاهزة، لا نبذل فيها جهدا، ولا نتحمل فيها عنتا، ومن ثم تصبح حلولا شديدة الإغراء، بالغة الأمان بالنسبة لمن يستهويه الماضي (الذي عادة ما يبدو عظيما ومجيدا)، وبالنسبة لمن يرغب في إبقاء الوضع على ما هو عليه، ويخشى تداعيات التجديد، فيلجأ للماضي طالبا فيه السكون والاستقرار، ويفضله عن الحلول التي لم يتم تجريبها، والتي قد تأتيه بما لا يعرفه من قبل، أو قد تزحزح مكانته التي أنشأها عبر سنوات مستندا على ما يفرضه الماضي من قيم وما يفرزه من أشكال حياتية، وتظل من ثم الأسباب وراء كل أزمات الواقع الراهنة عدم قدرة المجتمع (أفرادا ومؤسسات) على تنفيذ توصيات وحلول الماضي كما ينبغي !
إن التأريخ للعقل وإلتباس آلياته يجعلنا نعي ذاتنا ومن ثم يطرح السؤال نفسه علينا ... هل يمكن لنا التفكير بمعزل عن هذه الآليات التي أحيانا ما يستخدمها العقل في لحظات سهونا أو بطريقة تكاد تكون لا واعية، وإعماله بطريقة مناسبة بعيدا عن أخطائه وأوهامه التاريخية ... فلا يمكن لنا التخلي عن / أو إزاحة هذا المنتج الإنساني على مر التاريخ البشري الموغل في القدم بل يمكننا الوعي به.

ومن ثم  فإن تأملنا لطرائق التفكير والذي قد يبدو عدائيا أو يميل لإدانتها أحيانا لا يعني بأي حال قبولنا لإزاحة العقل جانبا، بل لعله يعني التقدم بحذر، والإيمان بأن أولئك المزودون بإيمان "مفرط" بأفكارهم لا يمكنهم احراز تقدما نحو كشف ما، بل معرضون لخطر الدخول في طور الجمود.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: أوهام العقل (3) Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top