بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الجمعة، 7 يناير 2022

أحمد عبدالعليم يكتب: اقتصاد المعرفة وتنمية الإنسان

 

في تسعينات القرن الماضي تنبأ "دراكر" (بيتر فردناند دراكر، ‏ كاتب اقتصادي أميركي من أصل نمساوي، ولد في فيينا عاصمة النمسا في 1909، وعاش معظم حياته في الولايات المتحدة الأمريكية، أجمع المختصون على أنه الأب الروحي للإدارة، فهو الذي حدّد مفهوم الشركة في تحليله الرائع لشركة جنرال موتورز، توفي في عام 2005م عن عمر 96 سنة)  بهذا التطور المتسارع على مستويين متوازيين، الأول هو تطور تكنولوجيا الاتصالات، والثاني هو تطور تكنولوجيا المعلومات، وأعلن: إن المعرفة (وهي المعلومات التي تحمل هدفا ملموسا على واقع الأرض) سوف تقود العملية الاقتصادية بدلا من الآلة التي قادت الثورة الصناعية منذ منتصف القرن الثامن عشر حتى نهايات القرن العشرين، وقال: إن "عمال المعرفة" هم الذين سوف يقودون الاقتصاد، بدلا من "عمال العضلات" الذين حركوا الآلات والمصانع،  فــ"الثورة المعلوماتية" التي بدأت تجتاح العالم ستغير المفاهيم في كل مجال من مجالات الحياة، والبلدان والشركات التي ستنجح في العصر الحالي هي تلك التي تتقدم في "إنتاج المعرفة"، بمعنى قدرتها على خلق المعرفة، واكتسابها، وتخزينها، وتطويرها، وتشغيلها على أرض الواقع، وبالنسبة للبشر "العاديين"، فإن إنتاجية المعرفة ستتطلب إمكان الوصول إلى أهم مصدر للمعلومات وهو الإنترنت، وأن يتم توصيل جميع المنازل بشبكة متطورة وسريعة بحيث تعتمد البنية التحتية لكل ما نقوم به في حياتنا اليومية على توافر المعلومات التي يحتاج إليها الناس في كل جانب من جوانب حياتهم. 

لقد أنتج التطور المتسارع في تكنولوجيا المعلومات، والاتصال، ظهور اقتصاد مختلف عن ما قبلهما، بالإضافة إلى نظرة جديدة إلى الاقتصاد، تتجلى فيما يعرف اليوم باقتصاد المعرفة، وهو اقتصاد تشكل المعرفة فيه محركا أساسيا لدينامية الحركة الاقتصادية، فاقتصاد المعرفة يقوم في صميمه على تراكم المعارف، وليس على تراكم رأس المال، وهو يعني القدرة على المزج بين المعلومات المتاحة عبر شبكات المعلومات الرقمية وبين ملكات البحث، والتطوير،والإبداع، والابتكار لدى الأفراد؛ فاقتصاد المعرفة يتجلى عبر مسارين، أولهما: المعرفة الظاهرة المتمثلة فيما تتضمنه قواعد المعلومات من بيانات، ومعارف، بمختلف أطرها العلمية، والآخر هو: المعرفة الضمنية والمتمثلة في قدرة الأفراد على استثمار تلك المعلومات في إنتاج مزيد من المعرفة وتوظيفها في الإنتاج والنمو الاقتصادي. ويبدو اقتصاد المعرفة متاحا للجميع، ومتجددا، ومتداخلا في كافة قطاعات الإنتاج، لكنه لا يقوم على المعلومة وحدها، وإنما لابد من العنصر البشري القادر على التعلم واكتساب المعرفة الضمنية، الأمر الذي يكفله استثمار الحكومات والأسر والأفراد في مجال  تنمية هذه القدرات والمهارات،والتعلم، واكتساب المعارف، وإطلاق طاقات البحث والابتكار.  

بشكل عام، إذا كان للتحرك صوب اقتصاد المعرفة أن يتم، فإن الاستثمار في التعليم الجيد يمثل مطلبا أساسيا، فهذا هو الأساس لخلق فرص عمل جيدة، وكريمة، ويمثل نهج مهارات من أجل التوظيف والإنتاجية توجها بسيطا، وإن كان شاملا، للنظر في تنمية المهارات من أجل زيادة الوظائف والإنتاجية، كما أنها تساعد في توجيه مجالات العمل التي تحتاجها المنطقة العربية، هذه المشاكل وغيرها يتناولها تقرير البنك الدولي القادم بعنوان: إحداث تحول في الاقتصاد العربي: السير على درب المعرفة والإبداع (البنك الدولي 2013)

الخطوة الأولى: تنمية المهارات الفنية والإدراكية والسلوكية التي تفضي إلى زيادة الإنتاجية والمرونة في بيئة العمل – بالشروع في التنمية من مرحلة الطفولة المبكرة مباشرة، والتأكيد على التغذية، والتحفيز، والمهارات الإدراكية الأساسية.
الخطوة الثانية: ضمان تعلم جميع الطلاب - من خلال بناء أنظمة أقوى ذات معايير واضحة للتعلم، ومعلمين أكفاء، وموارد مناسبة، وبيئة تنظيمية ملائمة. وتشير الدروس المستفادة من البحوث والتجارب العملية إلى ضرورة أن تتصدى الأنظمة الناجحة للقرارات الأساسية المتعلقة بالقدر المسموح به من الاستقلالية وبالجهات المنوطة بذلك، والمساءلة أمام من وبشأن ماذا، وكيفية تقييم الأداء والنتائج.
الخطوة الثالثة: التدريب لبناء مهارات يحتاجها أرباب العمل - من خلال وضع الإطار التحفيزي الملائم لبرامج ومؤسسات التدريب سواء قبل تسلم العمل أو أثناء العمل (بما في ذلك التعليم العالي). ثمة تجارب متراكمة تظهر كيف يمكن الدمج بين الجهود العامة والخاصة لوضع أنظمة تدريب أكثر صلة واستجابة.
الخطوة الرابعة: تشجيع روح العمل الحر والإبداع – من خلال خلق بيئة تشجع الاستثمار في المعرفة والابتكار. وتظهر الدلائل المتزايدة أن تلبية الاحتياج إلى مهارات الابتكار والقيادة وإدارة الوقت والاتصال تتطلب مهارات محددة في الابتكار (يمكن بناؤها في المراحل الأولى من الحياة)، وربط الناس بالأفكار، (على سبيل المثال، من خلال التعاون بين الجامعات والشركات الخاصة)،وأدوات إدارة المخاطر، بما في ذلك شبكات الأمان.
الخطوة الخامسة: التوفيق بين مهارات العرض والطلب – من خلال التحرك نحو أسواق أكثر مرونة وكفاءة وأمنا. فأي من الخطوات الأربع الأولى تصبح غير ذات قيمة إذا لم يستطع الناس العثور على وظائف تناسب مهاراتهم. ويشكل تجنب اللوائح الصارمة للوظائف مع تعزيز أنظمة حماية الدخل، والتي تكملها جهود تقديم المعلومات وخدمات الوساطة للعاملين والشركات، الخطوة التكميلية الأخيرة في الطريق إلى تحويل المهارات إلى توظيف وإنتاجية حقيقية.

وهو ما يدفعنا إلى الالتفات إلى الأهمية البالغة لمفهوم آخر وهو: " رأس المال البشري " وتراكمه فى نهضة المجتمع وتقدمه، وإعطاء أولوية متقدمة للتنمية البشرية،كما، وكيفا، وعمقا، حيث ينظر إلى رأس المال البشرى عادة على أنه: الإنتاج الإضافى الزائد عن إنتاج العمل غير المهارى للأفراد ذو المهارات والمؤهلات، وهنا نجد تمييزا بين رأسالمال البشرى المحدود "القيمة وحدة المستوظف واحد " وبين رأس المال البشرى العام "للقيمة فى مدى واسع من المهن"

وفى ظل التقدم التكنولوجي، الذي يقلل من قيمة الوظائف التى لا تحتاج إلى مهارات عالية، ويخلق فى مقابل ذلك وظائف جديدة ترتكز على المعرفة، وتعمل على تغيير الأهمية النسبية لعوامل الإنتاج، يتطلب ذلك تنمية رأس المال البشرى من حيث الكم، والكيف، لذا فهناك اتفاق على أن التحديات التى يحملها العصر الجديد لن يتصدى لها إلا رأس مال بشرى دائم الترقى، ودائم النمو، سواء على المستوى الفردى أم على صعيد المجتمعات، حتى يمكن للجميع المشاركة فى العالم الجديد، من موقع القدرة، فى ظل سياق تنافسى بالغ الحدة، وهنا كاتفاق نهائي، فإن الارتقاء بالثروة البشرية لن يحققه إلا تعليم تتوافر فيه شروط الجودة فى كافة مراحله، ومستوياته، وذلك من خلال استحداث المنظومة التى توفر له ذلك فى جميع مراحله، ابتداء من مرحلة ماقبل المدرسة وحتى التعليم الجامعى والعالى.

وسواء كما يفترض مفكرو النظرية التقليدية أن التطور التكنولوجى هو عنصر خارجى فى معادلة النمو لا يمكن التحكم به، أو كما يؤكد مفكرو النظريات الحديثة للنمو، أن هذا التطور التكنولوجي هو عنصر داخلي يرتبط بالثروة المعرفية التى يملكها المجتمع، وفي كلا الحالتين بوسع التطور التكنولوجي تحويل المجتمع إلى تقدم اقتصادي كبير، في ما لو توافرت له البيئة التنظيمية، والتشريعية، والمؤسساتية الملائمة، إذ يمثل رأس المال البشرى المعارف، والمهارات، والقدرات، التى تجعل العنصر البشرى قادرا على أداء واجباته، ومسئولياته الوظيفية، بكل فاعلية واقتدار، إذ تتعلق تنمية رأس المال باستقطاب ومساندة العنصر البشري، والاستثمار فيه، وذلك باستخدام عديد من الوسائل التى تتضمن: التعليم، والتدريب، وإعطاء النصح والإرشاد، والتدريب الميداني، والإشراف المباشر، والتدريب على ترأس العمل، والتطوير التنظيمى لإدارة الموارد البشرية.

والتنمية البشرية مفهوم له بعدان أساسيان، أولهما: يهتم بمستوى حالة النمو الإنسانى فى مختلف مراحل الحياة، ونمو قدرات الإنسان، وطاقاته البدنية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، والمهارية، والروحية. والبعد الثاني للمفهوم يتمثل فى: كون التنمية البشرية عملية تتطلب استثمار الموارد والمدخلات والأنشطة الاقتصادية التى تولد الثروة والإنتاج اللازم لتنمية هذه القدرات البشرية.

ومن هنا يتواصل التفاعل المستمر بين البشر (الهدف فى مفهوم التنمية البشرية) من خلال الفعل الإنساني ذاته، وإسهاماته، والانتفاع به فى توظيف الموارد، والمدخلات، بالمهارة المطلوبة، والكفاية العالية، في توليد النمو الاقتصادي المطرد، ومن هنا تتضح مقولة أن التنمية البشرية للإنسان وبالإنسان، بطاقاته االمركبة، وبذاته الفاعلة، وبمعارفه المتجددة، وبيده الماهرة، وعقله المبدع، وقيم الجد والمثابرة، والإتقان.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: اقتصاد المعرفة وتنمية الإنسان Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top