بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 31 ديسمبر 2017

الدولة المصرية .. مجتمع جديد أو الكارثة

(2) المعلومات
 بينما تسير حركة التطور التكنولوجي بطول العالم وعرضه، وصولا إلى نقل ما يجري على سطح القمر لحظة وقوعه إلى جمهور الأرض، يقف المجتمع المصري عاجز عن اتخاذ قرار واحد سليم، وفق معطيات سليمة، أو معلومات مؤكدة موثقة.. مابين تطور وتسارع وتيرة التقدم المعرفي عالميا، وبين تسارع وتيرة الحركة للوراء محليا.. يبرز حجم الكارثة.
المعرفة سلطة :
       يسم الخبراء والعلماء العصر الراهن بأنه عصر المعرفة/ المعلومات، فقد أنجز العلم في العقود الثلاثة الأخيرة ما لم ينجزه في قرون طوال والذي أتى للعالم بكتل هائلة من المعارف، مختلفة فى الكم، وفى النوع، عن معارف القرون السابقة، وهى فى ازدياد مستمر، وتنوع هائل، وتعقد لا ينقطع، مما جعل التطبيقات العلمية تشهد طفرة ضخمة وخاصة في مجال الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية كونية صغيرة، وربطت الشعوب المتباعدة، فأصبح الإنسان يستطيع أن يرصد ما يجرى على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، بالصوت والصورة لحظة حدوثه، وفرضت فى أجواء الفضاء العالمى السرعة البالغة وسعة المعلومات وتشابكها، وإلغاء الأبعاد وترابطها، وتقلص المسافات الزمانية والمكانية وتجاوزها.
      وربما يكون بطل المشهد المعاصر هو جهاز " الكومبيوتر" الذى أضاف إلى الإنسان قدرات هائلة على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها بسرعة خيالية تتجاوز عبر تطوراتها حدود الوقت والجهد المبذول فى العصر الماضى بطريقة لا يمكن تصورها، وما بين تدفق الإنتاج المعرفي/ العلمي، وبين التطور التكنولوجي والإتاحة المعلوماتية واسعة الانتشار، تسارعت خطوات العلم وتضاعفت إنجازاته، وهو ما نتج عنه مزيد من التطور... وهكذا، في منظومة معقدة تستعصي على التفكيك وتفتح آفاقا جديدة للبشرية تطؤها للمرة الأولى.

       هذه القفزات المعرفية التي يشهدها العالم (المتقدم)، أثرت وتفاعلت مع المجتمعات (المنتجة للمعرفة) لتعيد صياغة علاقاتها البينية، وتصوراتها الذهنية، وتؤثر في بنية منظومتها القيمية، بطرق متفاوتة ولكنها تتناسب مع حجم ما قدمه هذا المجتمع أو ذاك من رؤى  ونظريات علمية، وتفاعلاتها الاقتصادية بحيث تنمو نموا يتناسب مع حركتها الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسة... ألخ، بالقدر الذي يسمح بصيرورة تطور متسق تقلل من مساحة التخمينات، ومن ثم القدرة على وضع خطط واضحة المعالم للتنمية ومعالجة المشكلات ومعرفة الفرص والتحديات التي تواجه المجتمع ، واكتشاف نقاط الضعف والقوة التي تحد من تطوره ... فالمعرفة التي يحوزها المجتمع والتي يتم ترجمتها إلى بيانات وإحصاءات محددة و(دقيقة) حول وضع المجتمع الراهن ، يسهل عملية التنبوء بالمستقبل واتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب .
المسألة المصرية :
     إن الطرح السابق لم يكن سوى مقدمة طويلة للحديث عن وضع مصر المعرفي (المعلوماتي)، وإذا أردت الدقة، أزمة المعرفة في مصر، ومن ثم أزمة المعلومات، لا أتحدث هنا عن موضوع الشفافية فحسب، بل وعن غياب البيانات، والإحصاءات المحددة والدقيقة، والتي تسهل على صناع ومتخذي القرار القيام بالفعل المناسب، ووضع السيناريوهات والبرامج والمشروعات وفقا لرؤية واضحة ومحددة، ويسهل على المسئولين محاسبة المقصر، ويتيح لأعضاء المجتمع المشاركة الفعلية في إدارة شئون الدولة والمجتمع بوصفهم شريك في الأزمة، هذه المعادلة الصعبة التي تدور في فلكها الدولة المصرية الفاشلة، فما بين غياب المعلومات وبين إخفائها، تهدر الموارد، ويغيب المواطن، وينقسم المجتمع لأجهزة ومؤسسات حكومية، و(أفراد)، لا يرى كل طرف منها الآخر إلا عند الاحتياج، ويصبح هناك دولة موازية يحكمها أفراد أو منظمات أو جماعات خارج سياق أجهزة الدولة، يلبون بعض من مطالب الناس، أو يسهلون لهم علاقة آمنة مع أجهزة الدولة حين الاضطرار للتعامل مع أي منها (مجبرا)، ويبدو الأمر بوصفه عدم وعي من قبل المجتمع لما تطرحه الحكومة من حلول ومعالجات للأزمة، وتكثر الشكوى حول جهل المواطن، من قبل الحكومة والمعارضة والنخب، وتتعالى الأصوات حول عدم درايته بالوضع الصعب الذي تعيشه مصر، والأزمة التي تواجهها، بل ويصمه البعض بعدم الانتماء أو ميله الطبيعي للعبودية، أو عدم وعيه بمصالحه ... إلخ، وهي في حقيقتها تعبير عن رفض (سالب) لممارسات سياسية واقتصادية واجتماعية لنظام قرر أن يبعد المجتمع ويقصيه عن دائرة اتخاذ القرار، واستخدم في ذلك كل أدوات القمع من ناحية، وأدوات التغييب من ناحية أخرى، في ظل غياب للمعرفة والعلم، وتدني (متعمد) لمستوى التعليم (ولنا معه وقفة أخرى). ليس هذا فحسب بل إن غياب المعلومات، وندرة البيانات والإحصاءات قد أنتج  مناخا جاهزا لتلقي وإنتاج الشائعات وتدويرها حتى تتحول إلى مايشبه المعلومة المؤكدة، ومن ثم تصبح تكنولوجيا الاتصالات أكبر مصدر للجهل، أو للمعلومات المغلوطة.
       وفي ظل تغيرات اقتصادية واجتماعية وسياسية، ليست على المستوى المحلي فحسب بل وعلى المستوى العالمي أيضا، فالأمر الذي يطرحه المنظرون والخبراء بوصفه دلالة اجتماعية على غياب الانتماء وضعف الوطنية، في الواقع هو تعبير عن تجليات عملية التغييب التي يديرها المسئولون الفشلة لكي لا يحاسبوا، في مواجهة مجتمع مازال غالبيته لايجيد القراءة والكتابة، ولا يشعر بأن هذا الوطن ملك له، لا لشئ إلا لأنه لا (يعلم) عنه ما يجعله مهتما بأموره، وربما كانت الرسالة التي وجهها المجتمع عندما احتفى برئاسة الجنزوري في تسعينات القرن الماضي هي خير دليل على رغبته في المعرفة والمشاركة، لم يكن حب الناس للجنزوري سوى لأنه يتكلم بالبيانات والإحصاءات.. يتحدث بالأرقام .
ما العمل :
     تبدو مفردات وعناصر الأزمة واضحة، مجتمع غير منتج للمعرفة والعلم، يستهلك تطبيقاته العلمية المتنوعة في مناحي الحياة اليومية المختلفة بشره، أجهزة دولة ترفض البوح بالمعلومات التي توضح وضع الدولة الراهن، أو تغيب فيها البيانات التي تسهل عمليات صنع القرار ووضع الحلول الملائمة، فساد وفشل متجذر في هذه الأجهزة بل وطال شرائح كبيرة من المجتمع، غياب للكفاءة على المستويات كافة وفي أغلب المجالات، ومن ضمنها أجهزة ومؤسسات الإعلام والتعليم والتنظيمات السياسية، غياب الرغبة والإرادة السياسية لتقديم حلول، بل ومحاولة الاستفادة من الوضع الراهن والحفاظ عليه من قبل قطاع كبير داخل أجهزة ومؤسسات الدولة .



     لا يمكن بأي حال من الأحوال لمجتمع بحجم مصر (الكثافة السكانية ــــــ المساحة الجغرافية) أن ينهض دون امتلاك أدوات التقدم الأولية، والتي تتمثل في البحث العلمي والمعرفة، وأن تدعم المراكز المعنية المتنوعة (مراكز بحث ــــــ جامعات ) ماديا وأدبيا، لاستعادة دورها في كافة مجالات الحياة لتتمكن من بناء خريطة معلوماتية شاملة لمصر، ولنقف جميعا على الوضع الراهن، وهنا يأتي دور الإتاحة، فهذه المعلومات من بيانات وإحصاءات يجب أن تتاح للجميع، وأن يكون الحق في تداول المعلومات حق أصيل كما أقره الدستور، يقنن ويجرم أي مسئول ينتهكه، ومن ثم يتم توفير الميزانيات المناسبة، ووضع القوانين الداعمة، ووضع السياسات المحفزة على نشر ثقافة المعرفة، واحترام العلم والبحث العلمي، يمكننا أن نقول أن المجتمع المصري بإنجازه لهذه الخطوة يصبح قاب قوسين أو أدنى من بناء نهضته المعاصرة.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الدولة المصرية .. مجتمع جديد أو الكارثة Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top