بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 1 يناير 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: المحبة أعلى قدرا من الرأي


يقول أرسطو في كتابه "مابعد الطبيعة" أن الإنسان تمايز عن الكائنات الأخرى عندما تمكن من حفظ تاريخه من خلال "الذاكرة". فهي نقطة التمايز الأولى التي سمحت للإنسان بأن يراكم خبراته ويتعلم منها، ومن ثم يتطور ويتخذ خطوات بعيدا عن مآلات "مملكة الحيوان" التي ينتمي إليها. وأزعم من ناحيتي أن "الوعي" وليس "الذاكرة"  صاحب هذه الخطوة. 
فاللحظة التي تمكن فيها الإنسان من إدراك ذلك الفارق بينه وبين عناصر العالم، ومن ثم تعرف على "ذاته" بوصفه كائنا مستقلا عن مفردات الطبيعة، هي نفسها اللحظة التي قرر فيها دون قصد أن يبتعد رويدا رويدا لينفصل ليس فقط بعيدا عن الكائنات الحية، بل بعيد عن مكونات العالم بأسره، ليصبح مفردة مستقلة بذاتها، في مواجهة العالم، ومن ثم يكتب تاريخه، ليس ذلك فحسب بل ويصنعه، إنها لحظة "الوعي" التي تمكن فيها الإنسان من الخروج من أسر (الاحتياج الأولي) بعناصره المتعددة، إلى منطقة أخرى ربما تكون أكثر تعاسة، ولكنها أيضا أكثر تطورا.
ولست بمعرض الحديث عن عمليات التطور التي حدثت للإنسان على مر تاريخه وأسبابها وتأثيراتها، ولكن ربما يكون لهذه التطورات تأثيراتها على ما وصل إليه الإنسان وخاصة تطورات (العقل) في الوقت الراهن، تطورات تشي بتغيرات كيفية جعلت الإنسان في منطقة مختلفة للتطور البيولوجي على وجه العموم، وهو ما جعل الإنسان يتمثل ذاته عبر جوانب متعددة، منها المادي (البيولوجي والفسيولوجي) ومنها العقلي (المعرفي والإدراكي) ومنها الشعوري ( المعنوي والروحي) وهي جوانب ترافقها سلوكيات بسيطة مشابهة في بعض الأحيان، وتتجلى عبر أفعال شديدة التعقيدة عندما تتقاطع هذه الجوانب، وأشد تعقيدا عندما تتصارع، وهو الامر الذي يعيدنا لنقطة البدء وهي "الوعي".
هل يمكن للإنسان أن يستعيد "الوعي" الذي يدفعه إلى أن يراجع مواقفه! يتخلى عن قصر نظره، عن هذه النظرة الجزئية الآنية التي تجبره على النظر بمحدودية وضيق أفق، وينحي هذا الجشع الذي يتملكه، وهذه الرغبة الاستهلاكية المدمرة جانبا . أن يتأمل ذاته ويفند هذه الكراهية التي تحكم أفعاله، كراهية الأغراب، كراهية المختلفين، ويدرك أن الذين يقتلون كل يوم ليسوا مجرد أرقاما، وأن الفقراء ليسوا حيوانات بيولوجية، وأن المشردين واللاجئين لم يأتوا إليه طمعا بل خوفا وكرها، وأن العاطلين عن العمل ليسوا كسالى، هل يمكن للإنسان بعد هذا التاريخ من الكراهية أن يجرب المحبة... محبة المختلفين ... محبة الأغراب ... محبة الأجيال القادمة... أن يعلي من شأن "الوعي" في مواجهة الانحياز الأعمى الذي يسيطر عليه ... يحوله إلى "آلة" ... آلة قتل .. آلة استهلاك ... آلة استغلال، يعميه عن رؤية أبعاد تعيد له إنسانيته المفقودة تحت ركام الرغية والاحتياج الزائف.
في هذه اللحظة الراهنة نحن بحاجة للانتماء لهذا "الوعي" الذي دلنا على هويتنا الأولى، والذي تراجع الآن وأعطى مساحات واسعة لصالح الجانب المادي/ البيولوجي الذي صنع من الإنسان كائنا مزريا، مستهلكا، وأنانيا، في طريقه لأن يقضي ليس فقط على ما أنتجه أسلافه من تاريخ وحضارة، بل وكذلك على الطبيعة التي وجد فيها وضمن عناصرها. وأن نعيد النظر فيما أنتجنا من آليات عنف وقتل مادية، ونظريات كراهية فلسفية تمنح البشر الحق في الاقتتال وإبادة بعضهم بعضا في إطار رؤية عقائدية محكمة التكوين. نحن بحاجة إلى التخلي عن هذا الصلف الذكوري الساذج والسطحي -في آن واحد- الذي أصاب الجنس البشري، والذي يجعل من القوة والعنف والكراهية أدوات مشروعة للسيطرة والتحكم والتسلط.






  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: المحبة أعلى قدرا من الرأي Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top