بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 8 يناير 2018

أحمد عبدالعليم يكتب:وطأة شروط الحياة


يقول "باتاي": لا شيء في الحياة الحيوانية من شأنه أن يندرج ضمن علاقة السيد/العبد، ولا يوجد مبدأ طبيعي/حيواني بإمكانه إقامة علاقة السيادة/العبودية، حتى بالنظر إلى أن بعض الحيوانات تفترس حيوانات أخرى، فهذه يمكن أن نطلق عليها "قوة غير متكافئة" لكن لا يوجد بينهما سوى هذا الاختلاف الكمي، فالأسد ليس ملكا على الحيوانات، إنه وفق حركة (المياه) مجرد موجة أعلى من غيرها تتغلب على الأضعف. فلا يمكن إذن تبرير هذا التحول (الكيفي) الذي يقوم به (أفراد من البشر) بالرغبة في السيطرة على آخرين بدعوى الاختلاف البيولوجي الذي يجعل من بعض الأجناس البشرية أعلى قدرا من الأخرى فيما يتعلق بالوظائف الحيوية المختلفة ومن بينها التفكير، وهو ما يقوض رغبة البعض في إقامة علاقات تبعية تفرض تراتبا اجتماعيا يمنح البعض حقوقا أعلى، مثلما يفرض على البعض واجبات أكثر وأشد قسوة.
هل يمكن أن يمنح الوعي الإنساني بمفهوم "الذات" ومن ثم نقيضه "الآخر" دافعية للرغبة في السيطرة وإبداء مثل هذا النوع من القسوة التي يتفرد بها "الإنسان" دون كافة أنواع "الحيوان الأخرى"؟! هل يبدو هذا الوعي الذي يمثل نقطة التطور البشرية نحو الخروج من "مملكة الحيوانية المباشرة" لتصبح تلك النعمة هي نقمة على البشرية في مرحلة ما من مراحل تطورها "الاجتماعي".
يقول "باتاي" أن هناك نزوعا (تجانسيا) لدى المجتمع، يتأسس على استبعاد "العنف"، ومن ثم إنشاء (نظام)، وفرضه، والسهر على استمراره، ورفض أية (تضحيات مجانية) لتغييره، بغرض إقامة "اقتصاد الربح والفائدة". ومن هنا تبدو نزعة التجانس باعتبارها "توافق الحد الأدنى" الذي يلغي أي نوع من الخلافات لصالح نظام (ملتحم ومتراص). وتأتي المفارقة عندما يتحول هذا النظام/التجانس إلى امتيازات لصالح طبقة/طائفة بعينها، أو لصالح (الدولة) التي تقوم بمصادرته واحتكار أدواته، وهو الأمر الذي يفقد "التجانس" ميزته الأصيلة، فلا يعود النظام متضمنا للجميع، وفق الاتفاق المجتمعي/الضمني، حيث يقوم النظام بعمليات "إقصاء" متتالية لمجموعات من القوى/التيارات/ الفئات المغايرة والمختلفة.فهذه العملية تصبح "دائمة الوقوع". يقوم النظام بإقصاءات متتالية للقوى المغايرة، وهو الأمر الذ يؤدي إلى أن يتشكل النقيض الموضوعي/الوجودي لحالة التجانس ونطلق عليها "التنافر"، ومع كل عملية إقصاء تحدث لفئة من الفئات يصيب (التجانس) بعضا من الهشاشة، وهكذا دواليك تزداد هشاشة التجانس/النظام أكثر فأكثر، غير أنه يظل قائما نظرا لكون عملية التنافر تتسم بالفردانية واللاعقلانية على ما يبدو.
إن عمليات الإقصاء لا يمكن أن تستمر للأبد، وهو الأمر الذي يستدعي القيام بمهام عاجلة لرأب الصدع، ومن ثم تسعى المجتمعات القوية إلى تقديم تنازلات مشتركة لإعادة صياغة حالة التجانس من جديد وإدماج الاختلافات ضمن قيم المجتمع في سياق عملية إنسانية تتسم بالحيوية والتطور، تجدد دماء المجتمع وتمنحه قدرا من القوة تدفعه للاستمرار. أما المجتمعات الضعيفة فتصر على القيام بعمليات الإقصاء المتوالية دون النظر لما يصيب التجانس/النظام من هشاشة، وهو الأمر الذي يضعف المجتمع على المستوى الفردي والجمعي، ويتعرض لأزمات قد تودي به، من خلال انقسامات حادة تضرب عمق التوافق المجتمعي/الضمني الذي ينشأ عنه "التجانس".

بينما يكشف "بيير بورديو" الأمر بوضوح بأن شروط الحياة في ظل المجتمعات الحديثة هي نفسها شروط الإنتاج الاجتماعي في الرأسمالية الجديدة، والتي تموضع الدولة في فضاء "ملغز" حيث ترى البشر ولا تراهم في الوقت عينه، تراهم بينما تضع سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية ...الخ من شأنها إفقارهم على كافة المستويات، ولا تراهم بينما "يتفككون" في واقع قاس وحاضر لا أفق له، وعلى هذا النحو يبدو العنف في مستواه الظاهري وكأنه عنف فردي، محكوم بعلاقات فردية، بينما_ وفي لحظة ما_ سيتكشف بوضوح مستواه العميق والذي يتجلى في عنف سياسات الدولة وشروط الإنتاج.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب:وطأة شروط الحياة Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top