بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 7 يناير 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: عن الذات


تمثل "الذات" تعبيرا عن مكونات الفرد الخارجية / الظاهرة، والداخلية/الباطنة... فالذات تعبر عن رؤيتي أو تصوراتي عن نفسي... قدراتي العقلية... قدراتي الجسدية... تفضيلاتي الحياتية... مهاراتي وكفاءتي العملية...
والذات أيضا - على الرغم من كونها مكون شخصي – تتأثر كثيرا بعلاقاتي بالآخرين... حيث تتأكد وتتفتح... أو تتقلص وتنزوي... نتيجة هذه العلاقة مع الآخر... وجزء كبير من رغبتي في توكيد ذاتي... أو من ثقتي في نفسي يعود إلى رؤيتي "كيف يراني الآخرين " سواء في مرحلتي الراهنة، أو في تاريخ حياتي الماضية.
الإنسان كل لا يتجزأ:
الإنسان الفرد كل لا يتجزأ، وعندما أقول: (أنا) سأذهب إلى المدرسة غدا ... فهذا الحديث، وهذا الفعل  ينطبق على كل جزء في، فعملية الذهاب إلى المدرسة ستتم بـ"جسدي"، وب"نفسي"، وبـ"عقلي"، وبـ"عواطفي" ... لن أترك جزءا "مني" في البيت عندما أقوم بهذا الفعل أو أي فعل آخر.
والتأكيد على أن الإنسان كل لا يتجزأ، لا ينفي أنه "أيضا " يتضمن في نفس الوقت  مجموعة من الجوانب المتمايزة والمتنوعة، ذات المطالب المختلفة والاحتياجات المتنوعة ... فالإنسان عبارة عن:
-      جانب جسمي: ولهذا الجسم "ظاهر" هو الشكل الخارجي بأعضائه المتميزة عن بقية الكائنات الحية الأخرى، والتي تمكنه من التعامل مع العالم الخارجي ... و"باطن" وهو مجموعة الأعضاء الداخلية التي تسير حركة الجسم ككل، تماما مثلما نتحدث عن سيارة نحبها، فنصف هيكلها الخارجي، ثم نتيقن من أجزائها الداخلية مثل الموتور و"تنك البنزين" و"الرادياتير" ...ألخ .
-      جانب نفسي: ولهذه النفس ظهور خارجي، من خلال ما أقوم به من سلوك أو فعل ... و"باطن" أستدل عليه من خلال ما أقوم به من عمليات داخلية "عقلية"، مثل عملية التفكير، أو "انفعالية " مثل الشعور بالحب أو الكره أو الحزن ...ألخ.
-      جانب اجتماعي: فالإنسان كائن اجتماعي يعيش في جماعة، يكره الوحدة أو العزلة، يؤثر ويتأثر بأعضاء الجماعة، على نحو فردي، وعلى نحو جماعي .
ومن هنا فعندما نتحدث عن الإنسان/الفرد، يجب أن نراعي جوانبه المختلفة، وأن نتعرف عليها جميعها، وندرك أنها لا تسير بمعزل عن بعضها البعض، لأن الفرد عندما يسلك سلوكا في الحياة (يقوم بـ"فعل" أو "رد فعل") فإنه يسلك وفقا لجوانبه مجتمعة، فعندما أتحدث عن "النفس" فإن الجسم يكون موجودا بقوة، وعندما أتحدث عن " الجسم " فإن النفس تكون حاضرة بقوة ... وهكذا.
مثال :
عندما أتعرض لموقف "محرج" ... يضطرني إلى الشعور (انفعال) بالخجل، فإن هذا الشعور يظهر علي من خلال ردود فعل (جسمية) ... مثل: رعشة في أوصالي ... أو تقلصات في معدتي ... أو تسارع في دقات قلبي ... أو احمرار في وجنتي وأذني ...ألخ .
وعندما أستجيب لهذا الموقف، فإن " اختياري" لرد الفعل، يتوقف على مجموعة من الأفكار والمعارف والقيم التي أمتلكها عن هذا الموقف، بالمقارنة بمواقف سابقة شبيهة،  ووفقا لمعرفتي بـ"ذاتي"، أي مجموعة التصورات التي امتلكها عن: قدراتي العقلية، وكفاءتي الجسمية ... مهاراتي المختلفة ... كفاءتي الشخصية والاجتماعية ...الخ. ومن ثم أقوم باستجابة/رد فعل ... هذه الاستجابة قد تكون: سرعة الهروب من المكان/ الموقف، أو ممارسة شكل من أشكال العنف اللفظي، أو الجسدي، في مواجهة الأشخاص الذين يضعونني في هذا الموقف ، أو طأطأة الرأس والصمت المطبق، أو الخروج من الموقف بلباقة ...ألخ.
تصورات ومواقف :
في كل موقف من المواقف المختلفة التي تحدث لي في الحياة، فإنني أتصرف وفقا لاعتقادي بأنني كل لا يتجزأ، أتضمن جوانب مختلفة، ومتمايزة، ومترابطة، ومتآزرة، تؤثر في بعضها البعض، الشخص الحزين (انفعال - نفسي) قد يمتنع عن تناول الطعام لفترة من الوقت، وهذا الفعل يؤثر على جسمه بصورة أو بأخرى، وإذا ما طالت هذه الفترة فقد يصاب جسمه بالهزال، وتؤثر على وظائفه الحيوية الجسمية.
والشخص الضعيف بدنيا، يؤثر هذا على طبيعة علاقاته الاجتماعية، وعلى طبيعة تصوره عن ذاته، فينتج عن هذا استجابات أو ردود أفعال، ربما تكون سلبية، فتجعله ينسحب من المواقف الاجتماعية، أو يتقهقر أمام بعض أشكال العدوان التي قد يتعرض لها، وربما تكون إيجابية، حيث يجعله ضعفه البدني أكثر قدرة على استخدام قدرات أخرى تمكنه من التجاوب مع الجماعة، كأن يتقن بعض المهارات الخاصة التي تميزه، أو يجتهد في دراسته... ألخ ...  بحيث يصبح مرغوبا بين جماعة أقرانه... وفي كل الأحوال يصبح ضعفه البدني هو المحرك له في حالات الفعل أو حالات رد الفعل...
فالذي يحدد أفعالنا، أو ردود أفعالنا، هو رؤيتنا لأنفسنا، والتي ترتبط بمجموعة من التصورات (وهذه التصورات قد تكون صادقة، وربما تكون زائفة )... أهمها:
تصوراتي عن جسمي ... من الخارج ومن الداخل:
طويل .. قصير،  قوي.. ضعيف، سليم.. مريض، وسيم... قبيح...ألخ.
تصوراتي عن قدراتي المتنوعة:
ذكي .. غبي، ماهر.. بليد، مستقل.. اعتمادي، لماح..غير لماح، قوي الذاكرة أو ضعيف الذاكرة، مسئول أو غير مسئول...ألخ .
تصوراتي عن "كيف يراني الآخرون":
 والتي قد أرجعها لصفات جسمية أو لقدرات عقلية:
اجتماعي.. منطوي، محبوب.. غير محبوب، أحمق.. سريع البديهة، عنيد... مرن، مستقر المزاج، متقلب المزاج ...ألخ .
إن كل هذه التصورات المتنوعة تتجمع معا وتؤثر في بعضها البعض لتشكل رؤية عامة عن ما أطلق عليها "الذات"... هذا التصور عن الذات أو (الهوية الشخصية) يتجلى من خلال سلوكي، وتعاملاتي اليومية مع الناس، ويحدد أفعالي، وردود أفعالي في المواقف المختلفة...
فإذا كنت ترى في نفسك شخصية اجتماعية، قادرة على لفت الأنظار، وكسب ود الناس،  ستسعد بوجودك بينهم، وتتمكن من توكيد ذاتك معهم بيسر، وتصبح اختياراتك العملية مرتبطة بشدة بهذه الرؤية... وإذا كنت ترى في نفسك شخصية منطوية، تختار العزلة، وتبتعد عن التجمعات قدر الإمكان، ستتجنب المواقف الاجتماعية، وتفضل العزلة على أي شيئ آخر، وتصبح اختياراتك العملية مرتبطة بشدة بتفضيلك للوحدة على الجماعة، أما إذا كنت ترى في نفسك شخصية خجولة، لا تفضل التعامل مع المواقف الاجتماعية، بل وتخشاها، فإن رفضك للتجمعات سيتحول إلى خوف مرضي، واضطرارك للتواجد بين مجموعة من الناس، سيصبح معاناة، ولن تتمكن من توكيد ذاتك يوما معهم...أنت تقوم بتأكيد رؤيتك لذاتك من خلال المواقف الاجتماعية، وتفسرها وفقا لما تراه عن نفسك، وتقوم بتفسير كل ما يحدث لصالح هذه الرؤية...
وفي كل الأحوال فإن تصورك عن ذاتك يتأكد لديك من خلال هذه المواقف الاجتماعية بصورة طردية ... فطريقة تفاعلك في المواقف الاجتماعية تتأثر برؤيتك لذاتك... ورؤيتك لذاتك تتأثر بطريقة تفاعلك في المواقف الاجتماعية. 
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: عن الذات Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top