بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأربعاء، 6 ديسمبر 2017

ثقافة التحايل ... جدل اجتماعي بين الدولة والمجتمع (1)

يفرض الوجود الاجتماعي على الأفراد داخل "الجماعة الاجتماعية" تقديم معالجات من شأـنها الحيلولة دون الوقوع في فخ "العوز" والاحتياج و"الفقر المدقع" وهي معالجات وإن تبدو "شخصية" إلا أنها في مجملها تعبر عن مضامين اجتماعية ذات أبعاد متعددة أو هكذا أرادوا لها أن تكون، حيث تلعب الثقافة دورا مثلما تؤدي العقيدة أدوارا في عمليات المقاومة اليومية التي يقوم بها الأفراد في مواجهة عنت الحياة وشروطها القاسية، إنها عملية مقاومة في مواجهة التردي والإقصاء ونقصان القيمة.
ومابين العجز والأمل ينتج المجتمع ثقافته ويطرح رؤيته حول الدولة والعالم في إطار نسق قيمي يمكنه المواءمة بين ما هو "مشروع" وما هو "غير مشروع"، بين تطلعات مأمولة واحتياجات ملحة، ليخلقوا لأنفسهم فرصا جديدة في الحياة. إنهم ــــ وإن كانوا ــــــ غير قادرين على مواجهة الأسباب والعوامل التي أودت بهم إلى ذلك، كما وأنهم غير قادرين على تغيير العالم، لكنهم ـــ بلا شك ـــــ  قادرون على التوافق والتكيف مع معطياته.
وإذا أمعنا النظر في طبيعة وتاريخ هذه الجماعة الاجتماعية لأدركنا على الفور حجم القدرة ومساحة الخبرات التي يمتلكونها لإنتاج ثقافة قادرة على "التحايل" على قسوة الحياة وشروطها المجحفة، وهذا ما يصنعه المواطن المصري بشكل يومي في مواجهة ظروف الحياة التي باتت تقسو عليه مستعينا بتاريخه الطويل والممتد في مواجهة مثل هذه التجارب الاجتماعية التي أصبحت تبدو مألوفة لديه، وهو ما يعبر عنه المعجم في معنى "التحايل" حيث يقول: تحايل على الرجل أو تحايل على الشيء "سلك معه مسلك الحذق ليبلغ منه مأربه".
إن هذا الإدارك الضمني الذي تكشف عنه الثقافة بطرقها المتنوعة، فرض على المصري دوما طرح أشكال من التفاعل الاجتماعي التي ربما يبدو فيها دور الفرد متراجعا لصالح الجماعة ولكنها في صميمها تعبر عن رغبة الفرد في الانتماء لجماعة تضمن له بعض من الأمن والأمان الاقتصادي والاجتماعي وهي تعبر عن تلك الأشكال (المتوارثة) من التضامن الاجتماعي في المناسبات المختلفة، فطقوس الفرح والتي تتضمنها منح مبالغ مالية للعروسين "النقطة" وتقديم الهدايا العينية، وطقوس الوفاة حيث يتولى جيران بيت المتوفى تقديم الطعام لأسرة المتوفي وضيوفهم لليال عدة، وغيرها من الممارسات (الثقافية) التي تزخر بها عادات وتقاليد المصري تكشف حجم التعاون والتضامن الذي يفرضها المجتمع على الفرد ويستأنس بها الفرد في إطار منظومة اجتماعية، عقائدية يسيطر فيها ما هو (أعراف/ تقاليد) على ما هو (رسمي/قانوني) وتتوازى و تتجاور المنظومتين زمنيا ومكانيا على مر العصور، منظومة (شعبية) حامية، ومنظومة (حكومية) حاكمة.
تمثل الثقافة المصرية جوهر الشخصية المصرية، والمحرك لوجدانه وعقليته، والمشكل لشخصيته، فلقد تميز منذ أن أنشأ أول دولة قومية ومن ثم أول حكومة مركزية فى التاريخ، بالجدية والانضباط والايمان والاخلاص والمودة والتسامح والكرم وحب الحياة والانتماء لأرضه والذوبان والحنين الى الوطن، وهو الأمر الذي تراجع في الآونة الأخيرة حيث مر المجتمع المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين بأحداث تاريخية حادة أحدثت تحولات ثقافية واجتماعية أدت إلى إحداث تغييرات جذرية في شخصيته، بل وتغييرات في بنيته الديموجرافية، وهو الأمر الذي أدى إلى تبدل في رؤية المجتمع لذاته وللعالم، مما أعاد صياغة وتشكيل الوعي الجمعي للمواطن المصري.
ويبدو أن التحولات الاقتصادية التي طرأت على هيكل الاقتصاد المصري وتراجع دور الدولة عن تبني ودعم الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة وغيرها قد أدى إلى إحساس عميق بتأثيرات الفقر، حيث زادت الكلفة المادية في ميزانية الأسرة فيما يتعلق بالتعليم والصحة، وهو الأمر الذي زاد من حدة الآثار المترتبة على تدني الدخول، ومن ثم تراجع طبقات اجتماعية في "السلم الطبقي"، وتفشي كثير من الظواهر الاجتماعية السلبية والمرضية، حيث أدت الأزمات المتتالية التي تعرض لها المجتمع إلى تغير في نسق القيم السائد، وانتشار منظومة قيم مغايرة، فتراجعت قيم التكافل والعطاء والتضحية والانتماء لصالح القيم التي تعبر عن الفردية والأنانية، إذ يفرض الفقر على الأفراد موقفاً خاصاً من الحياة وهو موقف القلق والتشكك وعدم الأمان والخوف، وتؤدي محاولات التكيف المتكررة والمستمرة مع الظروف الضاغطة فى فترات متعاقبة إلى حدوث تشوهات حادة فى سمات الشخصية.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: ثقافة التحايل ... جدل اجتماعي بين الدولة والمجتمع (1) Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top