بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 21 يناير 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: الـ"أنا" المزعومة وسجن البداهات... في معية جان جاك روسو



يستمتع الإنسان بإعلانه (المغرور) والمتكبر، بأنه أعلى شأنا من (الآخر)، وأسمى قيمة من كافة مفردات (الطبيعة) بتنويعاتها المختلفة، وربما تمثلت بداية هذا الزعم في قطيعة الإنسان مع الطبيعة، و(إزالة) أكثر خواص الإنسان صراحة، والكامنة في كونه ( موجود حي) قبل كل شيء، ومنحه مملكة (الإنسان) كل ما سلخه عن مملكة (الحيوان)، وهو بذلك كان يفتح دورة لعينة منذ ولادتها، لأنها اقتبست مبدأها ومفهومها من (الأنانية).
والآن وقد تقاربت الإنسانية بفعل إعمار أشد كثافة  جعل العالم أكثر صغرا، ولم يترك أي جزء من الإنسانية في مأمن من عنف كريه، يستبد بنا حصر العيش، في هذا العالم الذي يتصف على الأرجح بأنه الأشد قسوة على الإنسان من أي وقت مضى، حيث توجد جميع وسائل الإبادة والمذابح والتنكيل دون أن تلقى أي استنكار على الإطلاق. واجب الإنسان في وجوده الاجتماعي أيضا أن يتعرف على نفسه بوصفه (هو) قبل أن يتجرأ على الادعاء بأنه (أنا)، وأن يدرك أن احترام الغير لا يعرف سوى أساس طبيعي واحد، في مأمن من (المنطق) ومغالطاته – بالنظر إلى أنه سابق عليه - يكتشفه الإنسان في نفوره من رؤية (مثيله) يتألم.
يقول "سارتر" أن العقل الذي يرفض التفكير الخطي/السببي الذي يتسم بالميكانيكية. هذا العقل القادر على اكتشاف التناقضات، والتعامل مع تعقيدات الحياة بطريقة ديناميكية هو وحده القادر على التعامل مع الواقع ووصف التاريخ (الذي صنع عبر إرادات فردية أثرت فيه)، عبر تجربتي (الضرورة) و(الحرية) بدءا بوصف أقدم العلاقات وأولها على الأرض، والتي أقامها الإنسان/الفرد مع العالم/الطبيعة.
يوجد الإنسان في هذه اللحظة التي تتسم بـ (الموات/الجمود) وفي هذا العالم الذي تسوده الحاجة والندرة والعنف والاستلاب ويصير فيه (هو) نتاج لإنتاجه، بما يعني أن العمل الذي يقوم به، أي عمله الخاص وقد انقلب عليه، يصبح انتماءه (هو) لمجموعة عاجزة تحكمها قساوة المادة، حيث يشعر البشر جميعهم بالخضوع لما هو أقوى منهم، ولا سيطرة لهم عليه، محكومين بالهموم المعيشية اليومية، مقتولن بالوحدة، غير مبالين بالشأن العام، وفي ظنهم أن هذا هو العادي/الطبيعي، في نظام (طبيعي) بل وضروري،لايد لهم فيه ولا مفر لهم منه، حيث لا يعرفون حياة أخرى، في هذه الأثناء لم يصل البشر بعد إلى (التاريخ) ولم يشارك الإنسان بعد في صناعته، لأن التاريخ يبدأ حيثما تبدأ مجموعة من البشر في امتلاك مشروعها الخاص، حيث المشروع يعبر عن (حرية فردية) و(خلاص جمعي).

من الضروري أن نعيد النظر في هذا النمط من العيش، وأن نتذكر أن أسوأ جريمة للإنسان (الجريمة التي لا تغتفر) تتمثل في اعتقاده بتفوقه، وفي معاملة الناس على أنهم أشياء وإن يكن ذلك باسم العرق أو الثقافة أو الرسالة...ألخ، وأن ندرك أن الأمل الوحيد في ألا يلقى "أحدنا" من "أمثاله" معاملة مجحفة، يكمن في إحساس الجميع إحساسا مباشرا ( وهو في مقدمتهم) بأنهم موجودات "متألمة" ومن ثم في قدرتهم على "العطف" الذي يمكن أن يمنح القوانين والعادات والتقاليد والأعراف معنى أعمق وأكثر إنسانية، والتماثل مع جميع أشكال الحياة، بدءا بأشدها تواضعا، من أجل أن يتيح للناس (في عالم تزيد زحمته من الاعتبارات المتبادلة) العيش معا، وأن يعيد( بديهته الأولى) بوصفه (موجودا حيا ومتألما) شبيها بجميع الموجودات الأخرى، قبيل الانفصال/ التمايز عنها باعتبارات ومعايير تابعة وهامشية تؤكد على البنية العميقة للامساواة وتبررها.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: الـ"أنا" المزعومة وسجن البداهات... في معية جان جاك روسو Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top