بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 22 يناير 2018

نفق معتم والبحث عن مصابيح مضيئة (2)

ربما يكون الحديث عن الفوارق النوعية بين المجتمع، والجماعة، يمثل إسهابا، غير ضروري لكثيرين، ولكنني أود أن أتذكر معكم مجموعة من السمات التي تجعلنا ننطلق ونحن مطمئنون من الناحية المعرفية بأننا نقصد نفس المصطلح، ومن ثم نفس التعريف.
فعندما أتحدث عن "جماعة من البشر" بأنها تشكل "مجتمعا إنسانيًا" فأنا أقصد بالطبع أنهم يعيشون معا على مساحة من الأرض، وقد تمكنوا مع مرور السنوات المشتركة من وضع أطر ضمنية، ومعلنة، لعدد من القواعد الحاكمة للتعايش المشترك، ربما يأتي في مقدمتها الأمن والأمان بقصديتهما المادية والمعنوية، فلا يمكن لجماعة من البشر أن يتشاركوا الأرض والحياة في إطار من العنف المتبادل، أو في إطار سطوة مجموعة منهم على الأخرى "في حالات المجتمع العبودي لم يكن العبيد جزءا من المجتمع حسب رؤية القيم الحاكمة في حينها".
فالمجتمع يتشكل عبر مناخ من السلم الاجتماعي، الذي يوفر للفرد وللمجموع مساحات من الوقت والجهد التي تدفعهم  للإبداع، والإنتاج، الذي يضمن استمرار المجتمع، وتشكيل آلياته ومؤسساته الداعمة لوجوده، والتي تقوم في أساسها على مجموعة من القيم المشتركة التي تدعم بقاءه، وتضمن استمراره، كونها مؤسسات مجتمعية تدعم أعضاء المجتمع على المستوى الفردي، وكذلك على المستوى الجمعي، فحيادية المؤسسات تجاه أعضاء المجتمع تشكل شرطا أساسيا لبقاء المجتمع ونموه وتطوره، وهو الأمر الذي يضمن ولاء الفرد للمجموع، ومن ثم قدرة الفرد على دعم المجتمع والمشاركة في تنميته وتطويره.
فاحتياج الفرد للمجتمع لا يقل عن احتياج المجتمع للفرد، وهو الأمر الذي تديره مؤسسات المجتمع الهادفة للحفاظ على بقائه وضمان استمراره، بحيث تضمن قدرة المجتمع على احتواء الفرد وتوفير احتياجاته المادية والمعنوية، ليدرك وجوده، ليس فقط بوصفه "ذات" متفردة، ولكن بوصفه "عضو" في مجتمع يشبع احتياجه المادي والاجتماعي والعاطفي ...إلخ، ومن ثم ينتمي الفرد للمجتمع، ويشارك في الحفاظ على بقائه وتطوره.
وقد يحدث في بعض الأحيان صراعات اجتماعية على المستوى الفردي أو الجمعي، فالاجتماع الإنساني قد يؤدي إلى مثل هذه الصراعات، وعادة ما تتخذ صور متفاوتة العنف، ومختلفة التوجهات، فقد تتخذ شكل تمرد فردي أو جيلي على الثقافة السائدة، وربما تتخذ شكل رغبة في الاستحواذ على موارد، أو رغبة في تسييد ثقافة... إلخ. ولكن.. "المجتمع" المتعافي الذي يتسم بالقوة والحيوية يستطيع دائما احتواء مثل هذه الصراعات ودمجها في عناصر قوته، مثلما يضع القواعد التي تمكنه من ضبط إيقاع الصراع، لمنع انفلات الأمور لصالح جماعة أو فرد. أما "المجتمع" الذي يفشل في احتواء مثل هذه الصراعات فيصبح مهددًا بالتفكك وربما التحلل والانزواء، وربما يمر مجتمعنا بلحظة مشابهة.

من الطبيعي أن المجتمع يتشكل عبر عمليات ثقافية واجتماعية واقتصادية...إلخ وعبر مسافات زمنية تطول وتقصر حسب عمر وتاريخ المجتمع، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على عمليات التفكك والتحلل التي قد تعتري مجتمع من المجتمعات في لحظة زمنية في مسار تاريخه الاجتماعي، وهذا البطء "العملياتي" الذي تحدث به مسارات تحلل أو انهيار مجتمع ما، قد يمنح فرصة للمؤسسات القائمة على المجتمع لتدارك الأمر وإصلاح ما فسد، ومقاومة هذا التحلل، وتعديل مسار المجتمع وعلاج أمراضه، وقد تصبح مجرد لحظات انتظار تتسم بالقسوة والألم الذي يقع على "أفراد" المجتمع بنسب متفاوتة، وقد يتخذ شكل ظواهر وأعراض مرضية.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: نفق معتم والبحث عن مصابيح مضيئة (2) Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top