بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 22 يناير 2018

المقاطعة السياسية.. وخيارات العجز

يأتي موقف بعض من المنتمين للثورة بالدعوة إلى مقاطعة (العملية السياسية) ليعيدنا مرة أخرى للخلف، ربما أبعد كثيرا مما كان قبل ثورة يناير المجيدة.. بل ويسلبنا ماحققناه من مكاسب ثورية وسياسية، مهما كانت ضئيلة، إلا إنها في المحصلة النهائية رصيد مضاف إلى قوى الثورة، وجماهيرها (ولعله من المهم أن أذكر هنا بأن الثورة المضادة قد سلبتنا ميزة المبادرة الثورية منذ 11فبراير 2011).
ويعلل كثيرون من المنادينبمقاطعة (العملية السياسية) موقفهم بأسباب تتعلق بالآخر.. تهافت البدائل، ورفضهم للأشكال السياسية المطروحة.. ما يحدث هو مجرد مسرحية هزلية، لا يجب أن نشارك فيها، وهم في كلا الحالتين يرون أن البديل الثوري هو الذي يجب أن يحكم(لقد قمنا بثورة ولم يتغير شيئا عل الإطلاق، وأننا يجب أن نكمل ثورتنا).
وفي واقع الأمر أننا ومنذ تنحي المخلوع ونحن نشكو من الثورة المضادة وألاعيبها التي تعيد الثورة إلى الخلف، مثلما نشكو من انتهازية البعض ممن شارك في الثورة على مستوى فردي أو من خلال  تنظيم من التنظيمات، وفي كل هذه المواقف لا يتوقف (الثوري) ليقدم نقدا ذاتيا يستفهم منه عن الأسباب والعوامل التي صنعت هذا الوضع الملتبس الذي نعيش فيه على مدار السنوات اللاحقة على 11 فبراير 2011، لم نتوقف لنتدارس الوضع الذي نمثل نحن جزءا من فسيفسائه المتناثرة، نراجع مواقفنا، نتأمل قراراتنا، نحسب نتائجها بحسابات المكسب والخسارة، لنعيد تقييم أنفسنا..
جهودنا التي بذلناها.. أين ذهبت؟!
أهدافنا التي نحلم بتحققها..هل تحققت؟!
كيف غيرنا الواقع الذي نثور عليه ونرغب في تغييره؟!
ما هو الفارق الذي أحدثناه في حياتنا وفي حياة من نناضل (من أجلهم ) و(معهم)؟!
من غير شك سترد علينا شكوانا صادمة لنا، فنلقي باللوم على هؤلاء الفاسدين من النظام، أو على الانتهازيين في معسكرنا، أو نتعلل بجهل الشعب واستسلامه لحياة العبودية، لن نتوقف لحظة لمراجعة مواقفنا، لن يشغل بالنا ضرورة اختبار أفكارنا.. لم يلفت نظرنا أن شكوانا ضعف، وتبريراتنا سقوط، وأعذارنا تعبير عن قلة (حيلة).
علينا إذن استعادة هذه الروح الناقدة والمبادرة التي تملكتنا إبان ثورة يناير، ولنقفز خطوة إلى المستقبل القريب.. حاملين معنا مبررات مقاطعتنا للعمل السياسي.. ولنرسم سيناريو يعبر عن نتائجها.. لا شئ يحدث بالصدفة.. ستكتمل المسرحية.. ويستعيد نظام مبارك عافيته وسلطانه... ثم أما بعد.. ماذا نحن بفاعلين..لا شي.. سنواصل ثورتنا ضد نظام مبارك..
كيف؟!!!!!!!بنفس الطريقة التي أسقطنا بها مبارك.
ولكنها.. فشلت.. وجربتم فشلها.. ومنكم من يأس وأصابه الإحباط  وأعلن فشل الثورة.
هل تريدنا أن ندخل في معترك السياسة؟! نحن ثوارا ولسنا سياسيين.
هل تريدنا أن ننساق للصندوق خلف الفاسدين والعبيد؟! تلك العملية الانتهازية الفاسدة.
لن يهنأ نظام مبارك.. الثورة مستمرة!!!
وهكذا تغيب الرؤية أو تكاد تنعدم.. لا نستطيع إدارة حوار حول مستقبل هذه الكتلة الثورية التي تقاذفتها أحداث ما بعد تنحي المخلوع، وظلت تتآكل بفعل التخبط، أو الارتباك، أو بفعل الرفض القاطع للمشاركة في الفعل السياسي أو التنظيمي بدعوى النقاء الثوري، والنزاهة الثورية التي تنأى بصاحبها عن الدخول في معترك (السياسة).. تتوالى عمليات الإنقسام والتفتت، مثلما تتوالى عمليات التخوين، والطعن في نزاهة المخالفين.
يتجلى الموقف النظري (المتهافت) الذي يتبناه كثيرون من الشباب الثوري عبر شكوى مستمرة من الثورة المضادة ومؤامراتها التي لا تنتهي في مواجهة الثورة والثوار، وسبب تهافت هذا الموقف هو عدم إدراك (رومانسي/مثالي) لطبيعة الوضع الصراعي بين الثورةوخصومها، والذي يشكل طبيعة الصراع الأبدي بين النظم الحاكمة والمناضلين من أجل الحرية والعدل والمساواة في كل زمان ومكان.. ثم يأتي الإصرار على تكتيك وحيد للنضال (الفعل الاحتجاجي) ليشكل المعضلة الثانية، فغياب الأشكال التنظيمية ورفضها، واستهجان العمل السياسي والإصرار على الأسلوب الاحتجاجي يضعنا في مأزق المواجهة المباشرة مع من نناضل من أجلهم، ويمنح طرف الصراع فرصة للانقضاض علينا وعلى ثورتنا.
ومن هنا يصبح الحديث عن المشاركة في إطار الرغبة في المضي قدما فعلا إيجابيا إذا ما تمكنا من وضع رؤية عامة للم شمل لمواجهة السيناريو القادم.. بل قد نستطيع عرقلته وإيقافه.. فلا حتمية ولا ضرورة تستدعي وجوب حدوثه سوى إحساس بالهزيمة قد يتملكنا، أو شعور بالإحباط واليأس قد يصيب عزيمتنا.
الثورة وعي الفقير
على هامش ذلك المشهد، هناك مشهد متخبط آخر لا يجب أن نغفل عنه، فربما لا يستهويني مطلقا الإنصات لأغلب هؤلاء الذين يعظمون من صفات العبقرية المفرطة في (الشعب) المصري، وأشتم روائح انتهازية سياسية تعبق أمكنة تواجدهم، لكنني أيضا أحزن على هؤلاء الذين يقللون من شأن هذا (الشعب) الذي عانى كثيرا على مدار العقود الماضية، وخذلته نخبته في مواطن كثيرة،والذي دخل عقبها كثيرون من أفراد هذا الشعب قوقعة الذاتية والإحباط، ولم يكن ما حدث في أعقاب ثورة يناير 2011 ببعيد عن شعور جديد بالخذلان من قبل فئات كبيرة من هذا (الشعب) نتيجة هذا التعالي والتكبر ممن عرفوا بالنشطاء والثوار بعد نجاح الثورة، والذي تجلى في خطاب فوقي يطرح نموذج (المفارق) لهؤلاء النشطاء بوصفهم مختلفون عن هؤلاء (العبيد) من غالبية الشعب، وفي كل خلاف في الرأي أو التوجه بين هؤلاء النشطاء وائتلافاتهم (الشبابية والثورية) التي كثرت في أعقاب الثورة، كانوا يعلنون عن ندمهم لأنهم منحوا الحرية لمن لا يستحقها من المصريين، وتتعالى صيحات وصرخات الاستهجان، وتمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بنظريات متباينة تؤكد جميعها أن حكما قد صدر بأن المصريين (عبيد) لا يمكن لهم أن يتخلوا عن عبوديتهم، وربما تواضع بعضهم وأرجع هذه السمات لعوامل الجهل، أو الفقر، أو طول عقود الاستبداد، أو حتى متلازمة (استوكهولم)..ألخ، ولكن الحكم قد صدر بصرف النظر عن المبررات والعوامل التي جعلتهم يصدرون مثل هذا الحكم (القاسي) على شعب هم جزء منه من ناحية، ويناضلون من أجله من ناحية أخرى كما يزعمون.
وفي كلا الحالتين ـــــ أربأ بنفسي عن التعميم ـــــــ فبين هؤلاء وهؤلاء شباب ربما ساقته الأحداث المتلاحقة إلى الإحباط، ولم تكن مواقفهم وأحكامهم عن سوء طوية بقدر ما هو تأكيد لغياب رؤية، ونقص في معلومات، وتضارب في انحيازات طبقية واضحة، وهو الأمر الذي أودى بهم إلى غياهب إحباط سياسي أو نكوص ثوري، ولكني أستطيع التأكيد ببعض الحيطة على أن معظم هؤلاء يرون في (الشعب) كتلة صماء تحركها الأماني ذات اليمين وذات الشمال، جاهزة للاستقبال والتفاعل من خلال غريزة البقاء وباستخدام لا وعي جمعي يحكم تحركاتها، وهو الأمر الذي يجعلهم يغضبون منه (الشعب) عندما تأتي النتائج نقيض ما يتمنون، فينهالون عليه تقذيعا ولوما، ولا يراجعون ممارساتهم التي أودت بهم لهذه النتائج غير المرضية.. فلا يمكن اعتبار (الشعب) كتلة صماء غريزية المواقف والأحكام، بل تجمع بشري متنوع الرؤى، والمواقف، والأهداف، منهم من هو قادر على فهم وإدراك مصالحه، ومنهم من يغيب عنه الرؤية، ومن استسلم لوعي زائف وإدراك قاصر لوضعه.. الفقر لا يصنع الثورة بل وعي الفقير بمنظومة فقره هو الذي يصنع الثورة .
بناء الثقة:
في ظني أن على المنتمين للثورة أن يعيدوا حساباتهم ومواقفهم، في ضوء إعادة النظر في منظومة الأفكار الحاكمة التي يتبناها هذا الفريق، ليستعيد مساحات فقدها على مدار السنوات الماضية، من خلال الإجابة على الأسئلة التي يفرضها الوضع الراهن عليه والتي تتمثل في:
كيف استعيد ثقة الناس وحماستهم لثورة ظنوا أنها ستغير أحوالهم للأفضل فتراجعت بهم إلى الخلف؟!
كيف أعيد تشكيل وعي المنتمين إلى الثورة بحيث يتأسس على احترام واع لهؤلاء الذين أناضل من أجلهم ومعهم من أجل حياة أفضل لنا جميعا؟!
كيف أعيد تنظيم نفسي لمواجهة الصراع الدائر وأحدد تحالفاتي الراهنة وفقا لدراسة متأنية لطبيعة الأطراف من ناحية وطبيعة الوضع الراهن من ناحية أخرى؟!
ما هو التغيير الذي أريد إحداثه.. وإلى أين نريد الذهاب؟!
كيف أعيد للعمل السياسي احترامه.. في إطار تصور ذهني يضحد مزاعم وصم الفعل السياسي بالانتهازية المطلقة؟!
كيف أستطيع ابتكار بدائل نضالية للمقاومة تجعل من الفعل الاحتجاجي تكتيك ضمن تكتيكات وليس تكتيكا وحيدا للنضال؟!
يتجلى عجزنا حين تصبح مواقفنا مجرد رد فعل.. حين يتمكن الخصم من إدارة صراعه معنا منفردا، ونصبح غير قادرين على المبادرة والإمساك بزمام الأمور.. إنها النقيصة التي ابتلينا بها منذ تنحي المخلوع في فبراير من العام 2011، دائما ما ننتظر القادم من طرف الصراع لنبني عليه مواقفنا، وفي العادة يأتي غاضبا غير مدروس، يتمكن الضعف من أوصالنا مع ترقب فعل الآخر، وضعف ثقتنا في أنفسنا، نخسر مساحات، ونخسر مناصرين وحلفاء، نتفرغ للتنابذ وإلقاء التهم المتبادلة، نشعر بإحباط العجز ويأس المهزوم، فنوفر جهدا على الخصم حين نستسلم، أو نأبى دخول معركة فرضت علينا. 

ترى هل نفاجئ طرف الصراع بقدرتنا على تجديد آمالنا، ورفض إحباطاتنا، والانتصار للحلم، هل نستطيع أن نبادر بموقف يأبى الخروج من المشهد والتسليم بالهزيمة، هل يجعلنا إيماننا بالثورة نفرض على الخصوم والحلفاء رؤية متماسكة تجعلنا رقما في المعادلة، هل يمكن أن تكون مشاركتنا في العمل السياسي معركة نخوضها من أجل مبادئ ومطالب ثورتنا وليست من أجل شخص، أن تكون غايتنا بناء تحالف سياسي يمتلك رؤية واضحة، ولديه انحيازاته الاقتصادية والاجتماعية التي تعبر عن هؤلاء الذين وثقوا في الثورة وفرحوا بها، أم تأخذنا نرجسيتنا الثورية لموقف الغياب الذي قد لا يمكننا العودة من بعده؟
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: المقاطعة السياسية.. وخيارات العجز Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top