بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الخميس، 17 ديسمبر 2015

أحمد عبدالعيم يكتب: الإنسان ذو البعد الواحد


عقب الحرب الأهلية الأمريكية (والتي كانت كما يزعمون من أجل إنهاء عصر العبيد والإقطاع، خاصة في ولايات الجنوب) قال أحد (العبيد) الذين (تحرروا ) ساخرا من فحوى الحرية التي وهبوها إياه، كنت عند سيدي أجد احتياجاتي الأساسية، أجد المأكل والمشرب والمأوى، أما الآن فأنا أناضل من أجل تأمين هذه الاحتياجات، وفي أحيان كثيرة اتنازل عن حريتي وأكثر، من أجل تأمين هذه الأشياء التي كانت تبدو بسيطة أو غير مهمة، فلقد ظن الناس أن التحرر من الإقطاع والعبودية هو السبيل إلى السعادة، ليفعل الإنسان ما يريد، وقتما يريد، دون قيود من أحد، فعلى ما يبدو أنهم قد أصبحوا سادة أنفسهم، والمتحكمون في حياتهم، ولكن يبدو(كما أدرك هذا العبد) أن هذا لم يحدث، إذ في واقع الأمر أصبحت الحرية بالنسبة له لا تعني سوى العمل أو الموت جوعا، بل وأصبحت تعني القلق وعدم الأمان بالنسبة له ولغالبية البشر، وبينما الحال على هذا النحو يفاجئنا (عبد) آخر بمقولة تبدو صادمة أكثر من سابقتها إذ يقول: لم يتحسن شئ في حياتي ولم أصبح حرا كما يدعون، فقط تمكنت من تحسين شروط عملي، ولكني مازلت أكدح من أجل توفير احتياجاتي الحيوية الأولية.
ما الذي يمكن أن تعنيه مقولات من هذا النوع لأشخاص ذاقوا مرارة الحرمان من حريتهم بالمعنى الوجودي للكلمة، إذ كانوا مملوكين لآخرين قانونيا واجتماعيا، وما الرسالة التي يمكن أن يبعثها لنا أناس عاينوا الخروج من العبودية إلى تحطيم قيودها، وما التساؤلات التي يمكن أن يطرحها علينا موقف من هذا النوع ... هل يمكن لنا أن نقول أن النظام المفروض على البشر منذ الخروج من الإقطاع إلى (رحابة) النظم الحديثة لا يقل عبودية عنه، حيث لا يمكن لنا قياس الحرية بما يحدده المجموع لنا ويفرضه علينا، وما هومتاح لكل فرد منا، وما هوغير متاح، فقدرة الفرد على اختيار سادته لا تنفي أو تلغي واقع أن هناك سادة وهناك عبيد، في حين تعني الحرية ما يستطيع الفرد اختياره، وما يختاره بالفعل.
هل يمكن لنا أن نكون مضللين، ننظر بضيق أفق وسطحية لطبيعتنا وغاياتنا ؟! هل يمكن أن يخدعنا المنطق الذي نراه (عقلانيا) فيجعلنا نختار رغبات متضاربة، لمجرد أنها تلح علينا بكثافة على الرغم من كونها تمثل جميعها بعدا واحدا من أبعاد الحياة، وهوالبعد المادي ؟! ... منطق ونظام يضفي صفة (الحاجة) على ما هو زائد عن الحاجة، بحيث يصبح اللهاث على توفير هذه (الاحتياجات) هو ما يمثل رفاهنا وحريتنا وسعادتنا وصميم وجودنا.
إن هذا التماهي مع الواقع الخارجي، والتوحد الذاتي مع ما هو مفروض علينا من الخارج، دون التوقف ولو للحظة للتعرف على عمق تجاربنا الشخصية، والتأمل في أبعادنا المختلفة، والغوص في دواخلنا، يجعلنا نقف عاجزين مستلبين، لا نشعر بالسعادة، ولا نصل لمرحلة الرضا عن ذواتنا، فكلما تمكنا من امتلاك والوصول إلى غرض مادي، نجد أنفسنا أمام أغراض أخرى مظطرين لتحقيقها والوصول إليها، ويزداد خداعنا لأنفسنا عمقا، عندما تصبح هذه الاحتياجات المادية مصدرا لسعادتنا، والتي غالبا ما تتلاشى سريعا، حيث أنها لا تمثل في صميمها ولا تعبر عن مكمن السعادة الإنسانية، فتزداد تعاستنا، وتتعمق مأساتنا . 
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعيم يكتب: الإنسان ذو البعد الواحد Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top