بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الخميس، 18 يناير 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: رسائل إلى... الرسالة الثامنة: النضج النفسي/الاجتماعي


هناك ثلاثة مستويات مختلفة تتيح للفرد استكمال عملية النمو والنضج في سلام وسوية، وهي الشعور بامتلاكه قدرا من الخصوصية داخل البيت، والرغبة في التميز الذي يساعده على التعرف على طبيعة الشخصية التي يود أن يكون عليها في المستقبل، والاستقلال عن سلطة الأسرة والكبار والشعور بأنه يمتلك مصيره، إلى أن يصل للاستقلال عن بيت أسرته، وبالتالي تكوين بيته وحياته الخاصة.
وعند اكتمال هذه العناصريشعر الإنسان الفرد بالتحقق، وتتبدى له الأنا الحقيقية، بحيث يصبح الشخص الذي يفضل أن يكون عليه، ويختار لنفسه نموذجا للحياة، ويشعر بأنه متفردا عن غيره من البشر، ويصل لمرحلة لا يمكن لأحد فيها أن يفرض عليه اختيارات دون إرادته، أو بعيدا عن قناعاته الشخصية.
 وفي مرحلة الشباب تتجاذب هذه العناصر داخل الفرد، حيث يرغب في تحقيق الخصوصية، والتميز، والاستقلال، في الوقت الذي يشعر فيه بالتبعية لسلطة الأسرة واختياراتها، وما بين صراعه الداخلي وصراعه الخارجي تتشكل شخصيته وتتخذ أبعادها الإنسانية، ويصبح في هذه الحالة للبيئة الاجتماعية ( الأسرة، الشارع، جماعة الرفاق والأصدقاء ، المدرسة أو الجامعة) دورا محوريا في تشكيل حياته، والتأثير على اختياراته الحياتية.
وكثير من الشباب يتعرضون لضغوط اجتماعية ضخمة، منهم من يتمكن من التعامل معها، ومنهم من لم يستطع، ويلعب الفرد دورا مهما في هذا السياق، حيث يختلف استقبال الشخص للمثيرات الخارجية (الأحداث التي يمر بها  والتحديات التي تواجهه) عن غيره، وكلما كان وعي الشاب/ة أعلى بظروفه/ها الداخلية والخارجية، كلما تمكن/ت من تخطي المرحلة بأقل الخسائر.  
الاستقلال:
يبدأ كل فرد في مرحلة الشباب (مع التفاوت في الوقت، السن، الظروف الاجتماعية والثقافية، طبيعة المجتمع، خاصة ما إذا كان ريف أو حضر ... الخ) في الإعلان عن رغبته في الاستقلال عن الآخرين، أن يشعر أنه شخص مختلف عن بقية الناس (وخاصة الأجيال السابقة) وعادة ما يبدأ في التعبير عن هذه الرغبة داخل البيت، وبين أفراد أسرته، وتمتد لتشمل الكبار في المجتمع بأشكال متنوعة.
 يرغب الشباب في الشعور بأنهم أصحاب قرار، خاصة فيما يتعلق بشئونهم، يتمردون على قرارات أسرهم كلها، أو معظمها، دون النظر في مدى ملاءمتها لهم من عدمه، فقط ... يجب على الكبار الامتناع عن التدخل في شئوني الشخصية، ينبغي لهم التوقف عن اتخاذ القرارات المعنية بي، نيابة عني ... هكذا يرددون ... وهكذا يتمنون ... وأحيانا ما يعلنون لآبائهم عن هذه الرغبة بفجاجة، ودون النظر لما يعانيه الأب/الأم من أجلهم (كما يرى الآباء).
 وما بين رغبة الأبناء في الشعور بالاستقلال، وبين رغبة الآباء في أن يشعر أبناؤهم بالامتنان والتقدير لما يقدمون، تتعقد الأمور بين كليهما، وتخرج المسألة من نطاقها المحدود بمرحلة النضج التي يعانيها الأبناء ...  فيحزن الآباء، ويشعرون بأن ما قدموه وما يقدمونه لا طائل منه...  بينما يشعر الأبناء بأن آبائهم يرغبون في دوام سلطتهم عليهم، ولا يرون أنهم قد كبروا وأصبحوا قادرين على اتخاذ قراراتهم بأنفسهم.   
(حكاية شاب)  
 أشعر أنني شخص مكتمل، ولا ينقصني شيئا، وحتى إن تشكك الكبار في هذا، فالفارق بيني وبينهم لا يعدو أن يكون "خبرة السنين" ، وإن لم أسعى للاستقلال فلن أنال هذه الخبرة، هذا الجيل من الكبار يسعى للهيمنة، لقد كانوا سعداء الحظ ، رغم صلابة عقولهم ، كانت حياتهم أسهل، أما أنا وجيلي، فالتحديات التي نواجهها كبيرة وكثيرة، ونحن قادرون على مواجهة الصعاب ، وقادرون على مواجهة تحديات لم يختبرها الكبار ، ونمتلك المعرفة والمرونة التي تمكننا من ذلك ...   يحق لي الاستقلال عن أسرتي، أن أشعر بخصوصيتي داخل البيت، وأن أقر : متى أذاكر ؟! ومتى أتوقف عن المذاكرة ؟! 
 يحق لي أن أختار ملابسي وفقا لذوقي وليس وفقا لذوقهم ، أن أتحدث بالطريقة وباللغة التي تناسبني ، وتتوافق مع أفكاري وجيلي ، يحق لي أن أختار أصدقائي كما يحلو لي وليس كما يحلو لهم .
عادة ما ينتقدني أبي ، يسخر مني ، يتشدد معي كثيرا ، ويعاقبني بطرق مستفزة ، لا يحق له لمجرد أنه أنجبني ، أو لأنه يمتلك المال ، ويسد احتياجاتي الأولية  ، أن يسيطر على مصيري .
الخصوصية :
يبحث كل فرد وخاصة في مرحلة المراهقة عن الاستقلالية داخل البيت ، فعلى الرغم من كونه صغير السن – غير قادر على الاعتماد على نفسه ماليا – إلا أنه يشعر أنه يمتلك مقومات الاستقلال ، ويريد بشدة أن يكون نفسه، يتصرف كما يريد، ويؤمن بقوة أنه قادر على إدارة شئون حياته .
 إنه يريد أن يكون له غرفته الخاصة ، وربما يعلم صعوبة تحقيق هذه الرغبة ، ولكن هذا ما يريده ، يريد أن يكون له دولابه الخاص ، يضع فيه حاجاته الشخصية، يريد أن يتوقف الكبار عن سؤاله عن كل تفصيلة صغيرة في حياته  المدرسة ... وعلاقاته داخلها – الشارع وماذا يفعل فيه – الأصدقاء ... ومن هم  ... اللعب أو الجلوس أمام الكومبيوتر – فيما يفكر – فيما يفعل ... ألخ .
(حكاية فتاة)     
أمي تنهرني كثيرا، عادة ما تكون غاضبة، ترفض أن أعبر عن استقلاليتي أمامها، تؤكد لي دوما بأني مازلت صغيرة ، كيف ذلك ! ومتى أكبر من وجهة نظرها ...
 أشعر أنني كبرت، وأنني قادرة على الاختيار، أمتلك عقلا راجحا يمدحني عليه أساتذتي، ويراني أصدقائي قوية، وذكية، ومجتهدة، أما أمي فتلومني على كل صغيرة وكبيرة، مازالت تراني الطفلة الصغيرة التي كانت تجلس في حجرها، وتضمها إلى صدرها، ترفض نضوجي ولا تعترف به .
 لما علي أن أتحمل كل هذا منها دون سبب أفهمه ، سوى أنها تمتلك سلطة السن، والقدرة المالية على سد احتياجاتي ... أعرف جيدا أنني ابنتها ، ولكنني لست ملكا لها ... أحبها ... ولكن أرغب في الاستقلال عنها ، أن أتخذ قراراتي ، وأن أقضي وقتي بالطريقة التي تريحني ... عليها أن تحكم بالنتائج ... أعرف جيدا كيف أدير يومي، وأستفد من وقتي، ولكني بحاجة إلى وقت أقضيه مع نفسي، بعيدا عن المذاكرة التي تدفعني إليها دفعا ، وبعيدا عن نصائحها التي لا تنتهي ، إنني قادرة على التمييز بين الصواب والخطأ ، وإذا احتجت إلى مشورة فقد ألجأ إليها ، ولكن عليها أن تتركني أختبر قدراتي وأتعرف عليها .
 يغضبني كثيرا انتهاك خصوصيتي في البيت ... ماذا تفعلين وحدك في الغرفة ؟!  ولماذا تغلقين الباب ؟!  ما الذي تكتبين ؟! هل هذا كتاب دراسي ؟!
أشعر أنها ترغب في السيطرة على حياتي ، مثلما ترغب بشدة في تحديد مستقبلي ، والسيطرة على مجرياته .
التميز:
يرغب كل شاب/ة  في التعبير بقوة عن تفرده ، وتميزه الذاتي (الشخصي) وتتخذ هذه الرغبة أشكالا متعددة، منها ما يخص المظهر (كثيرا ما نرى أحد الشباب وقد أطال شعره بطريقة غير معتادة في أوساط أسرته ومجتمعه، ونرى آخر وقد أزاله عن آخره) ومنها ما يخص مضمون أفكاره وآرائه (عادة ما يتبنى الشاب أفكارا مستغربة أو جديدة على مجتمعه).
ومع الرغبة الداخلية التي عادة ما تدفع الشاب/ة للخروج عن السلطة الأبوية ، وترك المعتاد أو المألوف ، غالبا ما يصطدم بالكبار، وأحيانا ما يتخذ الصدام أشكالا قوية، قد تزيد من هوة الخلاف معهم، وربما تدفعهم إلى ممارسة سلطتهم بأسلوب عنيف، وعادة ما يتخذ الشاب ردود فعل تجاه هذا، غالبا ما تكون عنيفة أيضا، ولكنها تتخذ أشكالا متنوعة، فبعض الشباب يتمرد بقوة على سلطة الأب، ويمارس ضده شكل من أشكال الندية، التي تصعد حدة الموقف فيما بينهما، وبعضهم يفضل الانسحاب والتراجع والانغلاق على ذاته، مع شعور داخلي بالهزيمة ومرارتها، في أول مواجهة مع السلطة الأبوية، ويؤسس لضعفه الشخصي ويتعامل مع نفسه على هذا النحو، وبعضهم يغير ميدان المواجهة ويبدأ في ممارسة أشكال من العنف مع من يرى أنهم أضعف، أو حتى في بعض الأحيان يقوم بممارسة عنف على الذات (على نفسه) كنوع من عقاب النفس، والبعض الآخر يتعامل مع الموقف ب(حكمة وتروي) تمكنه من إعادة صياغة أفكاره وآرائه بطريقة تجعلها إما قوية ومقبولة، أو تجعلها متناسبة إلى حد بعيد مع مجتمعه الصغير أو الكبير.
الحوار ... والمبادرة :
يشعر كل أب وتشعر كل أم بخطورة المرحلة، ويرغبون في تقليل الخسائر الناجمة عنها قدر الإمكان، وكثيرا ما يضطرون لاستخدام سلطتهم لمحاصرة تصرفات الإبن/ة ، التي يرون فيها رعونة وتهور، ويشتد خوفهم وقلقهم كلما تذمر/ت، وكلما عبر الأبناء عن آرائهم (المختلفة) تزداد الرغبة في حمايتهم .
 يرى الآباء أن التحصيل الدراسي والتفوق هو السبيل للنجاح فيضغطون على أبنائهم في المذاكرة ... يملكون معاييرا خاصة للسلوك السليم ، فيرون في سلوك أبنائهم غرابة وخفة ، فيضغطون عليهم لتعديل سلوكهم ... وهكذ... في الوقت الذي يرى فيه الأبناء أمورا قد تكون معاكسة لكل هذه التصورات ... فتتسع هوة الخلاف بين الآباء والأبناء .
صديقي الشاب ...
                     صديقتي الشابة .....
 تقولون أنكم مختلفون عن آبائكم ... وتقولون أنكم قادرون على إدارة شئون حياتكم ... وتزعمون أنكم تمتلكون مرونة عقلية لا يمتلكها الكبار ... وعليكم إثبات هذا ...
قم بالخطوة الأولى ...
 تحدث مع والدك ... تحدثي مع والدتك ... دون تذمر أو غضب ... ضع نفسك مكانهما ... واعلموا أن ما يقوما به معك وأحيانا ما يغضبك ما هو إلا تعبير عن القلق على مستقبل حياتك ... فإن أغضبك هذا الفعل أو ذاك ... فلا تنسحب ... عبر عن اعتراضك بطريقة لائقة ... تخلو من التحدي والعناد ... وبلغة تخلو من الصراخ ...
 إن ألح عليك والدك مرة في ضرورة المذاكرة ... ودفعك إلى ترك بعضا مما تمارسه من أجل التحصيل الدراسي ... قم بعرض جدول مذاكرتك ... تحدث معه عن تقسيمك ليومك ... كن لينا بشوشا بينما تتحدث معه .
 وإن سألتك أمك يوما لما تغلقين باب غرفتك ... فأخبريها عن السبب ... أخبريها أنك ترغبين في الجلوس مع نفسك بعض الوقت ... أو أنك تودين مراجعة ما حدث في يومك ... أو غيرها من الأسباب التي دفعتك لهذا الفعل ... كوني لبقة وأنت تديرين حوارا مع أمك .
 وإن انتقد أباك ملبسك ... فأخبره أن لكل جيل طريقته في الملبس ... وابدأ حديثك بتقدير لخبرته ... أنت تعلم جيدا يا أبي ... ثم أطلعه على ما تود قوله أو السبب الذي دفعك لتفضيل هذه الطريقة في الملبس عن غيرها ... دافع عن اختيارك دون غضب أو تذمر. 
صديقي ... صديقتي ...
على كل منكم أن يحاول إدارة حوار لبق وبناء مع والديه ... دون تذمر الأطفال أو صراخ غير المقنع ... واستمعوا إلى والديكم حتى يمنحونكم الفرصة للتحدث.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: رسائل إلى... الرسالة الثامنة: النضج النفسي/الاجتماعي Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top