بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

السبت، 17 مارس 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: التجربة اليونانية



إلى أن يصبح الملوك فلاسفة أو يصبح الفلاسفة ملوكا لن يبرأ هذا العالم من الشرور، رؤية طرحها الفيلسوف اليوناني الشهير "أفلاطون" في مقتبل عمره، بينما كان يعد كتابه حول المدينة الفاضلة "الجمهورية"، وبينما كان يضطلع بإعداد هذا الكتاب بدأ في وضع أسس نظام التربية والتعليم "الموجه" لكي يتمكن من الوصول إلى غايته المثلى "تنشئة الأطفال ليصبحوا فلاسفة ثم ليصبحوا ملوكا" فالقضية -كما ظن-  تكمن في "العقل"، وكلما تمكن المجتمع من تنمية الوعي كلما كان الطريق ممهدا نحو إرساء أسس المدينة الفاضلة.
وعندما واتته الفرصة لتطبيق نظريته وافق على الفور حيث تم استدعائه لتربية ولي عهد إحدى الممالك في عصره، وراح يعلم الفتى الصغير أسس الفلسفة، يحدثه عن الخير والحق والجمال، ويدربه على القتال وركوب الخيل، ويمنحه ساعات من الصفاء لسماع الموسيقى والاستمتاع بالفنون، أخلص أفلاطون لما يعتقده صوابا، ورأى في الفتى برهانا عمليا على صدق نظريته، التي تعلي من شأن الفكرة، وتمنح العقل الميزة الأساسية في جوهر الإنسان وماهيته، فهو الحيوان العاقل، وبدون العقل لا يمكن تفرقته عن الكائنات الحية الأخرى، صنع الرجل نموذجا حيا لأفكاره أو هكذا ظن، وعندما حان الوقت ليجلس الفتى على كرسي العرش، كانت سعادته غامرة، فها هي فكرته تنمو وتأتيها الفرصة لتصبح حقيقة، نموذجا عمليا يحتذى.
ما حدث بالفعل كان صادما لمفكرنا، لم يختلف الملك الجديد كثيرا عن سابقيه من الملوك، بل كان أشد دموية وشراسة وقسوة، وراح يرغم الناس على اتباع أفكاره بالقوة، ويبرهن بالعقل على صدق ما يقول، ويؤكد للقاصي والداني أن الحق والخير فيما يقوم به من أفعال وإجراءات، ولم يسلم معلمه "أفلاطون" نفسه من وطأة سلطويته، فقبض عليه وباعه عبدا لأحد المواطنين، ولولا أن رآه أحد تلاميذه وافتداه لظل هكذا حتى مماته.
ارتبك الرجل  واختلط الأمر عليه، بدأ يسائل نفسه في أي مرحلة أخطأ؟! ما الذي علمه للفتى أوصله لهذا الحد من التسلط ؟! أين تكمن المعضلة؟لم يكن الجواب سريعا، لقد احتاج أفلاطون إلى سنوات طويلة ليكتشف الجواب، ويبدأ في الاضطلاع بكتابه -غير المشهور- الذي صاغه ليكون الجواب... في هذا الكتاب "القوانين" طرح أفلاطون رؤية مغايرة لرؤيته في كتابه السابق "الجمهورية"، حيث أعلى من شأن النظم، وأسس مدينته الفاضلة على القوانين، فالقواعد والقوانين تأتي في المقام الأول، ومن ثم بدأ في طرح الركائز التي ينبغي أن تؤسس لقوانين عادلة ونموذجية من شأنها أن تطور الاجتماع الإنساني، وتوضح الأسس السياسية لاتخاذ القرارات السليمة.
لقد تطور العلم الإنساني كثيرا منذ أفلاطون وحتى اللحظة الراهنة، وتطورت معه الرؤى والأفكار السياسية تطورا ملحوظا، ولكن ظل هناك مسألة واحدة مازالت محط اهتمام وتساؤل الكثير ... أيهما أهم الملوك أم القوانين ... ما الذي ينبغي أن نضعه في الصدارة ملكا عادلا أم قانونا عادلا!

  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

1 التعليقات

  1. عزيزي عليم تحياتي لحضرتك رؤية جميلة ورائعة وطرح جيد واعتقد انه يجب ان لاتنفصل القوانين عن الاخلاق والعكس اي ان نضبط كلاهما قوانين بها اخلا ثم اخلاق بها قوانين ولا يطلق اي شيء ف المطلق فانت حر مالم تضر وحريتك تنتهي عند حرية الاخرين هكذا علمنا سارتر فيلسوف الحريات وعلمنا فكر سارتر وليم حنا ربنا يوفقك يا احمد باشا واشوفك دايما متالق وملء السمع والبصر

    ردحذف

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: التجربة اليونانية Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top