بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

أحمد عبدالعليم يكتب: التعليم ... ظل المطر


 منذ استقرار الإنسان في جماعات بشرية صغيرة أو كبيرة، كانت هناك محاولات للسيطرة على جموح الفرد لصالح مقتضيات اجتماعية تحددها مجموعة من القائمين على أمر الجماعة، بما يسمح بإعادة إنتاج المجتمع / الجماعة لذاته، وبما يسمح للجماعة بالتمايز عن غيرها من الجماعات البشرية المماثلة، والتي أحيانا ما تكون مجاورة، وفقا لمجموعة من الخبرات التي حدثت في الماضي، ثبت قدرتها على مواجهة العقبات التي تعوق استمرار الجماعة، وعبر مؤسسات تعددت وتطورت على مر العصور، وصولا إلى العصور الحديثة والمعاصرة، والتي شغلت فيها المدرسة ( المؤسسة التعليمية) حيزا هاما في هذا المجال الحيوي بالنسبة للمجتمعات الحديثة، وعلى اختلاف درجات تقدمها وحضورها في العصر .
إن منظومة المعارف والمهارات التي تهدف المدرسةـ بوصفها الوسيط في العملية التعليمية ـ إلى توصيلها، هي تلك المعارف التي أنتجها الماضي، والتي اختبر المجتمع (صحتها) من خلال الخبرات التي حدثت في الماضي، ويقوم القائمون على العملية التعليمية في المدرسة (معلمون، أخصائيون، إداريون) بنقل هذا الإرث المعرفي للأطفال.
أما منظومة القيم فإنها تتكون كذلك من المعايير السلوكية التي تكونت في الماضي، ويصبح على المدرسة بناء عادات السلوك لدى الأطفال وفقا لها، فعن طريق المدرسة يتم الاتصال بين علم الماضي وحكمته وبين التلاميذ،  ومن خلال التنظيم المدرسي تفرض قواعد السلوك عليهم، فإذا كان الهدف الأساسي للمؤسسة التعليمية هو تأهيل الأطفال لتحمل مسئولية المجتمع في المستقبل، وإذا كانت مجموعة المعارف والمهارات والقيم الواجب تعلمها  والمتضمنة في المناهج والمقررات التعليمية المؤدية لهذا الطريق، هي تلك التي انحدرت من الماضي، يصبح من الواجب على التلاميذ تقبلها واحترام مكوناتها كما وصلت إليهم، ويصبح موقفهم من معلميهم هو موقف التقبل والطاعة.
إن جل الخبرات التي يتعلمها الأطفال هي خبرات غير حاضرة، خبرات حدثت على الجانب الآخر، تماما مثلما يحدث مع الأمطار والجبل، فالمطر عادة ما يسقط على جانب واحد من الجبل، أما الجانب الآخر فيقع في ظل المطر، وبقدر ما يكون الجانب الأول ممتلئ بالحياة والحيوية، يكون الجانب الآخر جدبا .
يحيا الأطفال إذن خبرات ليست ملكهم، ويواجهون مشكلات لا تعنيهم، ويتعلمون مهارات ومعارف لا تنتمي إلى الواقع الذي يحيونه، وتقدم إليهم جميعها بوصفها الوسيلة الوحيدة للنجاح والتفوق، ومن ثم يتنافس جميع التلاميذ على تحصيل هذه المعارف، واكتساب تلك المهارات، والظهور بمظهر الحافظين لتلك القواعد السلوكية، ويتنافسون من أجل التفوق للحصول على المهن المتميزة والوظائف العليا، أما الذين لا يتمكنون من تحصيل واكتساب تلك المعارف والمهارات والقيم فيتم إقصائهم خارج المنظومة، من خلال نظام تقويمي صارم، لا يسمح بالتواجد لغير القادرين على التحصيل، مثلما لا يسمح بالتواجد للمتمردين وغير القادرين على التكيف .
يصبح المنتج النهائي من هذه العملية في صورته المثالية هو ذلك  الشخص القادر على تقبل مع الوضع السائد، وليس القادر على تغييره وتطويره بما يتناسب والشروط الاجتماعية الموضوعية والذاتية الطارئة على المجتمع، الشخص القادر على إطاعة وتنفيذ القرارات المطلوبة والصادرة إليه، وليس القادر على اتخاذ القرارات التى تناسب المواقف الجديدة والطارئة، الشخص القادر على تذكر الخبرات الماضية التي تبدو متشابهة ومن ثم إعادة إنتاجها، وليس القادر على مواجهة خبرات جديدة حاضرة يحياها ويتعامل معها بأفاق مفتوحة، وعقل مرن قادر على استيعابها والتفاعل مع مفرداتها دون خوف يقيده أو انبهار يجرفه .

تقوم المدرسة بإنتاج أفراد قادرة على التعايش مع حياة سابقة، بشروطها الموضوعية، وظروفها المادية، وخبراتها الحياتية، بدعوى إعادة إنتاج المجتمع، وضرورة تكيف أعضائه الجدد مع معطياته، فتشبع أفرادها بالثقافة المسيطرة، وتدخلهم في نسيج النظام الاجتماعي السائد، فيصبحون أكثر تقبلا لمعطياته، ويعيشون وفقا لقواعده، فالمدرسة بوصفها الجزء المعلن من المؤسسة التعليمية تعيش وتقدم ثقافة الاجترار وأعضاؤها يحيون على الجانب غير الممطر من الجبل، يحيون في ظل المطر.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: التعليم ... ظل المطر Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top