بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الجمعة، 2 أكتوبر 2015

أحمد عبدالعليم يكتب: أوهام العقل (2)


ربما تكون اللحظة الفاصلة فيما يتعلق بهذا المفهوم ــــــ الحقيقة ــــــ هي تلك (اللحظة) التي أعلن فيها (أينشتاين) نظريته في النسبية، ففي الوقت الذي سيطر فيه (نيوتن) على القرن التاسع عشر بقوانينه عن (الحتمية)، وعن (المادة/الكتلة)، والتي أدت بدورها لتأثيرات فكرية على مضمون ما طرحه المفكرون والفلاسفة، بل وعلماء الاجتماع والاقتصاد أيضا، فأصبحت الأحاديث في العلوم الإنسانية تشي باعتبارات )يقينية( عبر قوانين تبدو (صارمة) مثلها مثل قوانين نيوتن الفيزيائية، وبدا الحال وكأنه (نهاية التاريخ)، وبدا العصر وكأنه عصر انتصار العلم (العقل( - إذ تمكن العلم من تفسير ووضع القوانين لكافة الظواهر التي كانت تبدو مربكة في منظومة العلم الفيزيائي ما قبل نيوتن - وعلى العلوم الإنسانية أن تلحق بركبها إذا أرادت أن يتم الاعتراف بها بوصفها (علما).
وبينما الحال على هذا النحو، أتت بدايات القرن العشرين بوصفها حقبة تعبر عن تشكك علمي في التيار الحتمي/اليقيني الذي أطلقته قوانين نيوتن، إذ إن نظرية النسبية لحظة طرحها قد حسمت هذه المسألة لصالح نسبية المعارف ومن ثم نسبية (الحقيقة)، وهو الأمر الذي استدعى مراجعات كبيرة على كافة المستويات العلمية والإنسانية، حيث لم يعد الوصول لليقين مطلبا علميا أو فكريا يسعى إليه أحدهم، ولم يعد مفهوم (الحقيقة) يشكل جزءا من المنظومة المعرفية التي تنظم رؤية الإنسان للعالم، فالتغيرات التي طرأت على منظومة المعرفة الإنسانية، والمراجعات التي تمت، قد أدت إلى تغييرات جذرية في بنية (العقل الإنساني) ــــ أقصد هنا طرائق التفكير ــــ إذ لم يعد هناك أحاديث عن حتمية أو مادة/كتلة، بل أصبح الحديث عن مسارات نظنها هكذا، وعن المادة/الطاقة، وعن موقف مكاني زماني يجعلنا نرى المشهد من جانب من الجوانب، وعن تغيرات وتبدلات قد تطيح بمنظومتنا المعرفية في أية لحظة، لصالح (تفسيرات) معرفية جديدة تبدو أكثر إقناعا ومنهجية، وأصبح هذا الوضع هو الوضع السائد على المستوى العلمي.
 نستطيع إذن أن نكتشف أن لكل منا تفسيراته الخاصة، والتي يمكننا أن نطلق عليها (الحقيقة)، غير عابئين بتصورات الآخرين حول المفهوم ذاته، وعادة ما نكون مستندين في حكمنا هذا إلى مجموعة من العناصر المعرفية المنهجية، والمقدمات والمصادرات المعرفية، التي تجعلنا نزهو بقدراتنا على اكتشاف واستنباط (الحقيقة)، وكلنا ثقة في ما توصلنا إليه، ويقوم كل منا بفعل مماثل أو مشابه، يجعل التساؤل حول أي من هذه التصورات/التفسيرات يمثل مفهوم (الحقيقة) مصدرا للإزعاج بالنسبة للبعض منا، وخاصة هؤلاء الذين يظنون أن (هناك) تقبع (الحقيقة)، وأنهم بمساعدة بعض النصوص التي يرونها (مقدسة)، أو قطعية، أو عابرة للزمان والمكان، قد تمكنوا من الوصول إليها، ومن ثم تصبح (الفرق الأخرى) ـــــــ التي تظن بنفس الثقة أنها تمتلك الحقيقة ـــــــ (مخطئة)، وينبغي على الفئة التي تمتلك (الحقيقة) إما هدايتها للطريق الحق، أو مقاتلتها حتى تعود إلى صوابها.
 في واقع الأمر أن الاختلافات المنهجية والمعرفية في رؤية العالم، والتي أنتجها الإنسان على مر عصوره لم تنته، بل تتواجد جنبا إلى جنب في كل المجتمعات الإنسانية، وأحيانا ما تتصارع، حيث تمثل هذه الرؤى القاعدة المعرفية/المنطقية، التي تتيح لثقافة ما أن تقنع مؤيديها بجدوى استمرارها، ولا تكمن المشكلة في وجود تصورات متباينة للعالم أيا كانت هذه التصورات، بقدر ما تكمن في أساليبنا في التعامل معها، ففي الوقت الذي تتطور العلوم الطبيعية والإنسانية، وتزداد قدرة الفرد على التعامل مع الطبيعة، لا تقدم هذه العلوم الإجابات النهائية عن بعض الأسئلة التي طرحها الإنسان منذ وجوده وحتى هذه الحظة الراهنة، وإن كان يراها البعض أسئلة لا يمكن الإجابة عليها، يقدم البعض (إجابات)، ومن ثم فالانتصار لإجابة ما لا يمثل جوهر المشكلة المجتمعية، بينما تكمن المشكلة في رغبة البعض في تسييد (رؤية) ما بوصفها تمثل (الحقيقة).
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: أوهام العقل (2) Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top