بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأربعاء، 5 مارس 2014

الحق في التعليم بين دستورين

 التعليم حق وليس سلعة
كم من محاولات بدت يائسة - قبيل ثورة يناير-  للحصول على اعتراف الدولة بهذه المقولة ، لوقف تلك المحاولات المستميتة لخصخصة التعليم ، من قبل نظام مبارك ، ورجال أعماله ، الذين انتشروا في كل مفاصل مؤسسات الدولة،وعاثوا فسادا، ما بين بيع وخصخصة في الخدمات إلى أن بقي التعليم والصحة .. ولولا ثورة يناير العظيمة لشاهدنا بيعهما تحت دعوى الحفاظ عليهما مثلما حدث مع  القطاع العام .
وجاءت الثورة  بموجتيها ، وتمكن الشعب المصري (مع اختلاف الحالتين) من وضع دستور جديد ، ألزم الدستور الدولة بأن التعليم حق ، مجاني وإلزامي ، واتفق في ذلك كلا الدستورين (2012 ) ، ( 2014) ، بينما اختلفت رؤيتهما وفلسفتهما حول المضمون ، كيف كان الاختلاف بينهما ، وأي دستور انحاز لتعليم أفضل ، ووضع ضمانات تلزم الدولة ، وكذلك المشرع ، نحو إتاحة الحق في التعليم وفقا لمعايير الاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال - وهو الأمر الذي يستتبع النظر في المادة الخاصة بالطفولة في كلا الدستورين - ومن ثم ما هي المكاسب التي حصل عليها الطفل في سياق دستوري يضمن حمايته ، ويلزم الدولة بحقوقه وخاصة الحق في التعليم .
وإذا ما فرضت علينا المقارنة وجب وضع معاييرها العلمية التي تضمن موضوعيتها .
معيار الوضوح:
جاءت مادة التعليم (19) في دستور 2014 واضحة محددة ، على عكس مادة التعليم (58) في دستور 2012 ، والتي جاءت عامة وفضفاضة ، فبينما اوضح دستور 2014 معايير وأهداف التعليم  وفقا للمعايير الدولية ، ووضع الضمانات والشروط التي يجب أن تراعى لضمان تعليم مناسب لكل الأطفال المصريين دون تمييز ، تجاهل دستور 2012 الحديث عن الأهدا ف والضمانات ، واكتفى (بجودة عالية) ، دون توضيح أو تحديد ما المقصود بتعليم (عالي الجودة) ، ثم أحال الموضوع برمته للقانون ، ليضع أعضاء مجلس النواب القادم أهداف التعليم ومعاييره على الطريقة التي يريدونها ، في الوقت الذي أوضح فيه دستور 2014 مجموعة من الضمانات والشروط للمشرع أهمها :
-         تأصيل المنهج العلمي في التفكير .
-         تنمية المواهب وتشجيع الابتكار .
-         ترسيخ القيم الحضارية والروحية .
-         إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز .
ووضع هدفا عاما ومحددا للتعليم هو:
-       بناء الشخصية المصرية والحفاظ على الهوية الوطنية .
معيار الالتزام :
 لم يقدم دستور 2012 أية التزامات على الدولة تجاه التعليم والطفولة ، واكتفى بعبارات إنشائية تبدو للوهلة الأولى مع حقوق الطفل ومع تعليم مناسب ، وخاصة لأبناء الطبقات متدنية الدخل ، في الوقت الذي ألزم المؤسسات التعليمية الخاصة والعامة برؤية الدولة وخططها ، بينما يأتي دستور 2014 برؤية واضحة تلزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي لا تقل عن 4% ، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية ، وهو إلزام واضح للدولة ولمؤسساتها التعليمية ، يعبر في مضمونه عن فهم عميق لفلسفة التعليم وأهدافه ، وإن كنا نرى أن هذه النسبة ضئيلة كحد إنفاق أدنى ، وكان المتخصصين يفضلون نسبا أعلى إلا أن هذا الالتزام (المتصاعد) من قبل الدولة التي فرضه الدستور ، يعطي أملا ، ويفتح بابا لزيادة هذه النسبة ، وهو الأمر الذي ينبغي على المهتمين بالتعليم في مصر أن يعملوا من أجله .
وبينما أفرد دستور 2014 مادة خاصة للتعليم الفني (20) يفرض على الدولة ضرورة تشجيعه وتطويره ، وربط هذا التطوير بالمعايير العالمية ، نجد دستور 2012 يذكره لماما في عبارة إنشائية لا تلزم الدولة أو مؤسساتها بأي معيار سوى (سوق العمل) وهو المعيار الذي تساوى فيه مع دستور 2014 .
إن المحلل لمادة التعتليم في كلا الدستورين ، والمتابع لمطالب العاملين في التعليم ، والمهتمين بالحق في التعليم، من أفراد ومؤسسات ، ليدرك على الفور مدى مواكبة (نسبيا) دستور 2014 لمطالب ومعايير المؤسسات المعنية واستجابته للحوار المجتمعي الذي دار في هذا السياق ،  على العكس تماما من دستور 2012 الذي ضرب بطموحات ومطالب هذه المؤسسات عرض الحائط  ، ليأتي بمادة خاوية من المضمون ، تراعي فقط قدرة الدولة على التحكم في سياق العملية التعليمية ، وتفرض وصايتها عليها ، دون مسئولية واضحة ومحددة تجاه الدولة ، لضمان تعليم أفضل ن وخاصة لأبناء الطبقات ذات الدخل المتدني ، الذين يعانون من تدني العملية التعليمية وانخفاض مردودها عليهم ، مما يضطر بعضهم للتخلي عن التعليم ، وهو الأمر الذي حاول دستور 2014 معالجته ، بينما تنصل من مسئوليته دستور 2012 .
ولا شك أن مادة الطفل في كلا الدستورين تمنح المحلل لكل منهما فرصة أفضل لاستبيان التوجه العام الذي يطرح الرؤية العامة لكل منهما ، فعلى حين حدد دستور 2014 سن الطفل (مادة 80) وفقا للاتفاقية الدولية لحقوق الطفل بـ (18سنة) ، نجد دستور 2012 (مادة 70) يتجاهل هذا تماما ، وعلى حين وضع دستور 2014 نصب عينيه ، مصالح الطفل الفضلى في كل ما يتعلق بالطفل من أمور وقرارات ، نجد دستور 2012 يتجاهل هذا تماما ، وعلى حين لم يسمح دستور 2014 بتشغيل الطفل قبل سن (إتمام التعليم الأساسي)  نجد دستور 2012 يجيز عمل الأطفال أثناء تعليمه الأساسي ، وعلى حين منع دستور 2014 تشغيل الطفل في أعمال تعرضه للخطر أو ما يطلق عليه (أسوأ أشكال العمل) ، تجاهل دستور 2012 الحديث عن أسوأ أشكال العمل تماما .
وكما جاءت مادة التعليم معبرة (نسبيا) عن طموحات ومطالب المعنيين من مؤسسات وأفراد ، جاءت مادة الطفل معبرة عن تطلعات المعنيين بحقوق الطفل من مؤسسات وافراد ، لتضع كل منهما رؤية عامة وملزمة للسياق الذي يجب أن تراعيه الدولة في التعامل مع قضايا الطفولة  ، وتمنح العاملين في هذا المجال أطرا قانونية تساعدهم على تحقيق أفضل حماية ممكنة للأطفال وفقا للاتفاقية الدولية لحقوق الأطفال ، وخاصة بعد إدراج مادة خاصة تلزم الدولة المصرية بكافة الاتفاقات والعهود الدولية المعنية بحقوق الإنسان ومن بينها ما يتعلق (ضمنا) بحقوق الأطفال  .
إن أسلوب مؤسسات الدولة في التعامل مع قضايا التعليم والطفولة، هو المحك الأساسي لرؤية استراتيجية الدولة في التعامل مع قضايا التنمية وحقوق الإنسان ، وإذا ما كان الإطار التشريعي الذي فرضه دستور 2014 يضمن البيئة التشريعية والقانونية التي تدعم حقوق الطفل المصري ، فإن ممارساتنا ومسئوليتنا التي فرضناها على أنفسنا (النشطاء والمهتمين) للإعلاء من كرامة الطفل وحمايته ، تظل الالتزام الأهم ، لضمان إلتزام الدولة بإنفاذ مواد الدستور ، وترجمتها إلى سياسات ، وأفعال ، وممارسات ، تحقق طموحاتنا وتطلعاتنا لكل الأطفال على أرض مصر دون تمييز ، في إطار المصلحة الفضلى للطفل ، ومن ثم تصبح نصوص الدستور هي الخطوة الأولى التي يجب أن يتبعها خطوات وخطوات ، حتى نتمكن من تحقيق حياة أفضل لأطفالنا ، وهي المسئولية التي يجب أن تلقى على عاتق المجتمع المصري بأفراده ومنظماته ، كي تصبح نصوص الدستور واقعا معاشا    
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: الحق في التعليم بين دستورين Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top