بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 1 مايو 2018

أحمد عبدالعليم يكتب: التعليم وصناعة التطرف 2




يطرح منظرو الرأسمالية مقولة يؤكدون من خلالها على أن (اقتصاد السوق) الذي يسيطر عمليا ونظريا على العالم، ويعد المرجع الرئيسي للمجتمع البشري، يمتلك عقلا خاصا يذهب بالعالم نحو (سوق عالمي متجانس) و(عقلاني) قادر على أن يؤمن بدوره احتياجات البشر دون تمييز، وعلى السياسة أن تمارس دورها في حفظ استقلالية وعقلانية هذا (السوق). ويبدو هذا الطرح وكأننا أمام عالم مثالي يحكمه " عقل كلي عادل" لا يفرق بين البشر، ويضمن لهم جميعا السعادة والرفاه دون تمييز، وإذا ما تمكننا من استبعاد السياسة والايديولوجيا يبدو الأمر أننا أمام (علم موضوعي محض) وعقل مستقل قادر على إدارة شئون العالم.
بيد أننا في اللحظة ذاتها، إذا ما نظرنا إلى واقع العالم في العقودالخمس الماضية، التي تمكن فيها (اقتصاد السوق) من السيطرة، حيث حقق انتصارات حاسمة نلحظ أن التناقض بين النظرية والواقع تناقضا حادا وظاهرا للعيان. حيث يسيطرنسبة قليلة من سكان العالم على مجريات الامور به، فهم يلكون المال والنفوذ والسلطة، بينما يعيش الغالبية الساحقة تحت وطأة شروط النظامالرأسمالي العالمي الذي يمكن أن نعده بطمأنينة نسخة "محسنة" من النظام "العبودي".
وبينما يتحدث منظرو الرأسمالية العالمية بكلماتهم الأنيقة حول السعادة، والرفاه، والحرية لجميع البشر، يموت ملايين الأطفال في نزاعات مسلحة وحروب تصنعها وتمولها وتغذيها الرأسمالية العالمية، كما يموت ملايين الأطفال من جراء أمراض كان يمكن علاجها، ويعيش الملايين تحت وطأة شروط حياتية قاسية في ظل المجاعات، والتلوث، والتهديدات اليومية، وعلى الجانب الآخر يعيش ملايين البشر في ظل شروط النظام الرأسمالي المجحفة، مهددين بالخروج من النعيم في حال لم يتمكنوا من الالتزام الصارم بشروطها ومحدداتها التي تستهلك حياتهم ماديا وروحيا.
إن هذه الانتصارات المتلاحقة للرأسمالية في نسختها "المتوحشة" تطرح بديلا أيديولوجيا واحدا، تروج له وتقدمه بوصفه الرؤية التي تعبر عن "نهاية التاريخ". فبعد الحديث عن "نهاية القومية" من خلال "نهاية التاريخ والجغرافيا"، تطرح الرأسمالية نهاية "الايديولوجيا" ومن ثم نهاية السياسة، كي يصبح الحاكم الأوحد للعالم دون انحياز ودون "قدرة على تغييره" هو (اقتصاد السوق) بما يملكه من (عقل كلي) كامن يسيطر على العالم في محاولة أخيرة للمنتصر لتمكين "اليأس"، وتثبيت "هندسة الخضوع" للسيطرة على كافة أدوات التغيير والمقاومة. ومن ثم إلزام البشر جميعا بهذه الرؤية. والإعلان عن نهاية "الايديولوجيا" وإخضاع الثقافة والفنون مثلما تمكنوا من السيطرة على "الإعلام ووسائله المختلفة". ومثلما تمكنوا أيضا من السيطرة على التعليم وأدواته المتنوعة عندما تمكنوا من تحويل "المؤسسات التعليمية" لمصانع لإنتاج "آلات بشرية" خاضعة وخائفة.
إن إكساب البعض من البشر مهارات علمية "متجزئة" ومعلومات جزئية في علم بعينه من خلال "تخصص جزئي" داخل "العلم الكلي"، وتوزيع التخصصات ومن ثم "المهام"  في إطار مقدار معين من "الإجراءات" التي ينبغي القيام بها  في "تخصص بعينه" في سياق عمل "آلي" للعقل يمكن أن يؤديه أي فرد في ظل "تقسيم العمل" إلى أقسام صغيرة، حيث ينغلق العقل على ذاته تاركا خلفه كل ما يتعلق "بالعلم الكلي" وبالعالم في ظل حالة كاذبة من "الموضوعية" والحياد المطلق، حيث تمثل الموضوعية ضبابا معرفيا يتيح لهؤلاء "المحايدين" تقطيع أوصال المعرفة وفصل عراها باطمئنان موضوعي، وصرامة علمية "مزعومة"، واختزال "المهام الذهنية" إلى محض "عمليات فنية مجردة" حيث يمتلك معلومات عن العالم، في إطار اهتمام "عملياتي تقني" لا يمكن أن ينتج "معنى" ومن ثم لا يمكن أن ينتج بشرا أو إبداعا، بل ينتج "آلة بشرية " ربما تصبح خارج المعمل أو الجامعة  أو المدرسة أو المصنع أداة غبية تمارس العنف والتطرف.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: التعليم وصناعة التطرف 2 Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top