بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 25 ديسمبر 2017

أحمد عبدالعليم يكتب: حديث عن الحرية

يربط كثيرون منا بين مفهوم الحرية من ناحية ومفهوم الفوضى من ناحية أخرى، إذ يؤكدون عند القيام بفعل يراه بعضنا (لا يجب ــ أو لا يصح) بقولة مأثورة (أنا حر/ة)، وعادة ما تتبع هذه الكلمة جملة مأثورة أخرى (طالما لم أؤذ أحدا)، وعند الاستطراد في الحوار عادة ما يكون تعريفهم للحرية ( أن حريتي تقف عند حرية الآخر، ومن ثم فمن حقي أن أفعل (ما أشاء) طالما لم أقترب من حدود الآخرين)، ويؤكد بعضهم أن الإنسان وجد (حرا) بلا أية قيود، وأن التنظيم الاجتماعي والحياة داخل جماعة ومن ثم مجتمع قد حدت وقيدت من أفعال البشر، ومن ثم لم يعد هناك (حرية مطلقة) كما كان الحال في العصور الأولى ... وفي ظني أن مفهوم الحرية ــــ مثل كل المفاهيم المجردة ـــ هو مفهوم مراوغ، لا يمكن البت في وصفه أو تحديد معناه بصورة نهائية، إذ تمثل رؤيتنا له جزء من تصوراتنا/تفسيرنا العام  للعالم، ومن ثم تختلف رؤانا باختلاف هذه التصورات وهو أمر لا شك مشروع.
الضرورة:
العالم بكل مفرداته وعناصره يسير وفق ضرورة ، وفق قوانين تحدد مساراته وأساليب تفاعله مع بقية عناصر الطبيعة، فإذا ألقيت بحجر (على كوكب الأرض) فلا يمكن لهذ الحجر أن يرفض السقوط، أوأن يتمرد على (مصيره)، وكذلك فإن كوكب الأرض لا يمكن له الانحراف عن مساره، رافضا الدوران حول الشمس ومكتفيا بالدوران حول نفسه، وهكذا فالضرورة تعني مسارات إجبارية، لا تنفك تحدث وفق قوانين الطبيعة.
 الإنسان والضرورة:
 نوجد جميعا في ظروف موضوعية وذاتية ليست من صنعنا، ولا تنتمي لمجالات اختيارنا (الحر)، فهل يمكننا أن نمارس قدرا من الحرية في هذه اللحظة (هنا/الآن)، تجعلنا نعبر بطريقة ما ــ ونحن على ثقة ــ عن حريتنا، بوصفها قدرتنا على الاختيار دون أن تمارس الحياة علينا ألاعيبها، أو تفرض علينا مساراتها الإجبارية؟!
في الواقع أنني قد ولدت لأب وأم لم يكن لي حق اختيارهما، وهو ما أرغمني على أن أوجد في هيئة لم يستشرني أحدهما في مدى قبولي بها أو رفضها، وفي واقع الأمر أن جيناتي الوراثية تتحكم في كثير من الأحداث اليومية، التي أتورط فيها، وتشكل الجزء الأكبر من هويتي الذاتية، في داخل مجتمع عادة لا أنفك أرفضه وأتمرد عليه، ولم يكن أبي وأمي ميسوري الحال للدرجة التي تسمح لهما أن يقدما لي تعليما (لائقا)، أو يقدما لي من رغد العيش ما أستحقه، فكم كنت أود أن أولد في عصر غير العصر، وكم كنت أتمنى أن أولد في مجتمع غير المجتمع، هل كان الغذاء الذي يقدم لي مناسبا لنموي، أشك في هذا كثيرا فأنا أعاني من مشاكل في العظام، وأزمات مع أسناني، وما ينتج عنهم من ألم يجعلني أتمنى لو لم أولد، أدين بدين أبي وأمي ولا أستطيع تغييره وإلا تعرضت لنفي اجتماعي أو جسدي، وفي الحقيقة أيضا أني أقوم ببعض الأفعال التي لا أعرف بدقة ووضوح ما يدفعني للقيام بها، وأتخذ مواقف ترتكن في أغلبها على دوافع  أجهلها، وفي الأغلب أنها لا تنتمي لشخصيتي تلك التي ارتضيت أن أظهرها بوصفها تعبيرا اجتماعيا عني، وكثير من الأشياء التي تمتعني لا أعرف لماذا هذه الأشياء تحديدا تمتعني دون غيرها، كم كنت أتمنى أن أكون أكثر ذكاء، أو أن أتسم بسرعة البديهة والفراسة، حتى أصدقائي المقربين، لي عليهم مآخذ كثيرة، لا أعرف ما الذي دفعني لمصاحبتهم، يتصفون ببعض الصفات التي أحبها ولكن ــ لا أعرف ــ كان من الممكن أن يكون لي أصدقاء أكثر حيوية ربما، بحيث لا يصيبني الملل في وجودهم، أو ميسوري الحال، أو يمتلكون صفات تجعلهم قادرين على مساعدتي بشكل مختلف.
 الوضع الذي أصفه ـــ واقعي الذي أعيشه بشكل يومي ــــ يجعل مفهومي للحرية بوصفه حقي في (فعل) ما (أريد) يتراجع، فأنا في واقع الأمر تحكمني أشياء أجهل معظمها، تجعل سلوكي لا ينتمي كثيرا لمفهوم (الحرية) الذي يصفه أو يدعو إليه البعض، فاكتشاف كل هذه المسارات الضرورية التي تحكمني يجعلني أعيد النظر في هذه المقولة، وتدفعني لتفكيك هذا المفهوم المراوغ الذي يمكنني في لحظة أن أدفع حياتي ثمنا للدفاع عنه (الحرية).


  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

2 التعليقات

  1. وكأنك لسان حالي لطالما فكرت في هذا الكلام الذي تكتبه وعبرت عما اريد ان اقوله مقال رائع

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا جزيلا وسعيد جدااااااااااااا باستجابتك

      حذف

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: حديث عن الحرية Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top