بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الاثنين، 22 فبراير 2016

أحمد عبدالعليم يكتب: أن تقاوم الضرورة

هل نحن مخيرون ؟ بمعنى أننا نمتلك القدرة على اتخاذ قرارات على الأقل فيما يتعلق بحياتنا ومصيرنا ... أم نحن مجبرون ؟ تسيرنا أقدارنا حيث شاءت لا حيث شئنا .... ربما ينظر البعض منا لهذه الأسئلة نظرته لكثير من الأسئلة ذات الطابع المعجز، فلا إجابات لها، بل قل نقاشات لا طائل منها، مثلها في ذلك مثل السؤال الشهير : أيهما يسبق الآخر البيضة أم الدجاجة؟! وربما يكون البعض محقا في نظرته هذه إذا ما تناول الموضوع بوصفه تمارينا عقلية، تجعلنا قادرين على المناقشة والتأثير في الآخر، ولكنه ربما يكون قد جانبه الصواب إذا أدرك أنه في صميمه يعد سؤال الوجود.
أرقني هذا السؤال بمناسبة قراءتي لكتاب حول ما تفعله الجينات فينا، وتأثيراتها علينا، وما هي قادرة على التأثير فيه، مقترنة بتفاصيل حول مفاهيم فلسفية أخرى مثل الحتمية في الفعل الإنساني، وتحكم الجينات التي نرثها في سلوكنا، وطبيعتنا، حتى في أدق الأشياء. وهو ما يعني في مجمله بأن الإنسان الفرد ابنا لبيئته، تشكله كيف تشاء، تصنع منه عالما أوجاهلا، معتل الصحة أو سليما معافى، شريفا أو مجرما، فلا شيء يحدث بالصدفة، وقوانين الطبيعة تجبرنا على السير في طرق لم يكن تتبادر إلى أذهاننا يوما ما السير قدما في دروبها.
ولعل الافتراض السابق الذي ينفي قدرتنا على الاختيار يكون مرضيا لأكثرنا، فمادامت البيئة قد فعلت فعلتها معنا فما الذي يجعلنا مدانين أمام انفسنا أو العالم، وما دام الحال هكذا فطبيعتنا الشريرة أو الخانعة أو الطيبة هي نتاج هؤلاء الذين رحلوا عنا من أبائنا وأجدادنا الذين ورثنا عنهم كل شيء بما في ذلك أمراضنا المزمنة، مثلما هي نتاج الطبيعة، فلتذهب بنا الحياة حيث شاءت، وما نحن إلا قطع شطرنج تحركها الأقدار حيثما تريد، وما يحدث لنا أومعنا ليس سوى مقدرات حتمية لا يمكن الفكاك من حبائلها.
وربما يكون في هذا بعض الوجاهة، إذا ما أظهرنا من العلم مقولته الرئيسية ورددناها قانعين: كل شيء في العالم يخضع لقوانين حتمية لا يمكن معارضتها. فإذا ما أمسكت بحجر وألقيته من شرفة غرفتك سيكون مصيره السقوط بفعل الجاذبية، وهو ما يحدث أيضا إذا ما ألقيت بشخص من نفس الشرفة، فقانون الجاذبية يسري على الجميع، ولكن هل يمكن لنا أن نتساءل حول مقاومة كل من الحجر و(الفرد) لي قبيل قيامي بتنفيذ القرار الذي اتخذته بإلقاء كل منهما من شرفة غرفتي! 
لا يمكن لحجر أن يتدخل لمنعي من إلقائه، بينما سيقاومني الشخص قدر جهده!!
ومن هنا يأتي الفارق، لا بمكنك التعامل مع ذاتك بوصفك (شيء) تحكمه قوانين الطبيعة فحسب، كما لا يمكنك التعامل مع ذاتك بوصفك المسيطر على الطبيعة والمتحكم في مجريات أمورك، ومن هذه المعضلة تأتي إنسانية الإنسان، من هذه الدوافع الكامنة التي تجعلك تقاوم الموت، ترفض الاستسلام، تمتلك حلما ... تأتي حريتك إذن من قدرتك على مقاومة هذه الحتمية التي تحيط بك، تأتي الحرية من رغبتك في التمرد على موروثاتك الجينية التي تقودك إلى الاستماع لصوت الغريزة الكامن في أعماقك، والذي يلح عليك أن تتبع الضرورة، فاحساسك بالاستثارة عندما تجد إمرأة تخطر أمامك في الشارع لا يستلزم متابعتك للغريزة لتنقض عليها لتقضي منها وترا، إذ يرغمك شعورك الحاضر بالحرية أن تسلك مسالك إنسانية أخرى تجعلك قادرا على إشباع احتياجاتك الضرورية التي تلح عليك من آن للآخر، لأنك تؤمن بأن حريتك التي تجعل منك (إنسان) تقتضي بأن الآخر يمتلك نفس المزية، فتقاوم غريزتك الأولية لأنك في لحظة وعي اتخذت قرارا بأن تقاوم الضرورة واخترت أن تكون إنسان .
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

1 التعليقات

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: أن تقاوم الضرورة Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top