بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 3 نوفمبر 2015

أحمد عبدالعليم يكتب: الثقافة .. سلطة الغائب


تمثل الثقافة عنصراً رئيسياً في تنمية الإنسان، وجزءاً جوهرياً في حياة الفرد والمجتمع، وفقاً لمفهومها العام الذي يعنى ذلك النسيج الكلى المعقد من الأفكار والمعتقدات، والعادات، والتقاليد، والاتجاهات والقيم، وأساليب التفكير والعمل، وأنماط السلوك، وكل ما ينبني عليه من تجديدات وابتكارات، أو وسائل في حياة الناس، مما ينشأ في ظله كل عضو من أعضاء المجتمع، ومما ينحدر إلينا من الماضي، فنأخذ به كما هو أو نطوره، في حدود ظروف حياتنا وخبراتنا، فالثقافة هي الإنسان بوصفه فاعلاً ومنفعلاً، إذ يدخل في إطارها العام كل ما أنتج الإنسان من إنتاج مادي أو غير مادي، سواء كان تراكم خبرات أم ممارسات فكرية، تصورات من عقائد روحية أم صنع أداة من الأدوات، أو تقليداً من التقاليد، فهي تشمل ضمن ما تشمل : أسلوب تربية الأب لابنه، وأسلوب عمل صانع الفخار لأوان الفخار، وأسلوب تناول الطعام، وارتداء الملابس، واستخدامات اللغة والرموز، وأسلوب الزواج ودفن الموتى ..الخ ، وهي إلى جانب كونها سلوكاً بشرياً جماعياً، ونمط عيش مشترك، وإلى جانب كونها قيماً روحية وعقائد وتقنيات، فهي أيضاً بصورة رئيسية علاقة إنسان ببيئته ومحيطه، وإبداعاته المادية والجمالية، وبذاكرته الجماعية، وهى بالإضافة إلى كل ذلك مجموع النشاط الفكري والفني بمعناهما الواسع، وما يترتب عليهم من أساليب وأشكال من القيم، يبتكرها الإنسان ليكسب إنسانيته معناها الخاص، وينظم بها حياته .
ولعل الثقافة في مجملها تمثل عملية التنشئة بكافة أشكالها، الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية ..الخ، ولكي يبدو المدى الذي تؤدى العوامل الثقافية في إطاره لتشق لمسالك الحياة مجراها، يكفى تعقب سلوك فرد واحد خلال يوم واحد، سواء أكان ذلك اليوم في حياة عامل أم رجل من أرباب المهن أم فنان أم عالم، فالنتيجة هي اكتشاف الصورة التي يأتي بها السلوك مشبعا من أوله لآخره، بعوامل وظروف ثقافية في نشأتها ومضمونها باعتبارها أسلوب عمل ومنهج حياة ، بالإضافة إلى كونها : ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء في مجتمع  .
وهكذا تتجلى الثقافة عبر تمثلانها العديدة والمتباينة بوصفها العنصر الفارق بين مجتمع وآخر، يشكل سماته، ويسوقه في اتجاه دون آخر، إنها تجليات الوعي الجمعي، وإمكانه المتحقق عبر صور إنسانية بالغة الاختلاف، تتخذ أشكالا متعددة في التعبير عن نفسها، وتحكم صيرورة المجتمع، وتحدد أنماطه الحياتية، نمتلكها فتمتلكنا، نمارسها فتسيطر علينا، تدفعنا أحيانا إلى الأمام، وتجرنا أحيانا إلى الوراء، إنها تجلياتنا الخارجية وقد انفصلت عنا، وصارت منتجا مستقلا، لها قوانينها التي تسيرها وتحكمها، ولها آلياتها التي تتفاعل بها، وميكانيزماته التي تمنحه الحياة والاستمرار، وتعطيها القدرة على استبدال مكوناتها أو إعادة ترتيبها من وقت لآخر،  يعيشها الفرد فتعيش فيه ولا يستطيع منها فكاكا، وكأنها أخطبوطا بألف ذراع، وألف عين، لأننا جميعا عن قصد، أو دون قصد، ساهرين على حمايتها والدفاع عنها، يرى الفرد ذاته في مواجهتها عاجزا، بلا حول أو قوة، لا يستطيع الخلاص من سطوتها، فيستسلم لها في معظم الأحيان، ويتحايل عليها في بعضها، ولكنها تطارده دائما، في كل فعل يقوم به، وفي كل سلوك يسلكه .

ربما تبدو الثقافة من ثنايا حديثي وكأننا إزاء  كائنا خرافيا لا يتسنى لأي فرد مواجهته، وربما تصبح كذلك إذا لم نتمكن من أن ندركها، ونعي مكوناتها ونتعرف على أبعادها، من حيث كونها منتجا للفعل الإنساني في المجتمع تصاغ وفقا لآلياته الاقتصادية والاجتماعية، ومن ثم يمكننا خلع بعض من القداسة عن بعض من مكوناتها، ووضعها موضع التساؤل والنقاش ، ليس بهدف رفضها، بل بغرض الوعي بها، والتفاعل معها، من أجل إنجاز منتجا جديدا يواكب الواقع الراهن ومتغيراته، ويجيب على الأسئلة الوجودية التي يطرحها علينا هذا الواقع خاصة في أوقات الأزمات، فنستطيع الفكاك من أشباحنا التي تحكمنا، ونفك قيودا يبدو أننا لا نستطيع منها فكاكا، فالأمر الذي لا يمكن لأحدنا إنكاره، أن السنوات الماضية قد أثبتت لنا جميعا، كيف تحكمنا (برغم اختلافاتنا الايديولوجية) أشباح من الماضي البعيد أو القريب، وكيف تحدد قراراتنا المصيرية مكوناتنا الثقافية التي نحتمي تحت مظلتها، وكيف أننا لم نتمكن من استحداث إجابات راهنة عندما طرح علينا السؤال، وذهبنا نبحث في كنوزنا القديمة عن إجابات جاهزة الصنع، اختلفنا جميعا حول مصدر هذه الإجابات ومن أين نأتي بها، ولكننا لم نتساءل لماذا جميعها من الماضي، وكأننا قد استسلمنا لهذا الأخطبوط دون وعي، فتمكن منا، وتلبستنا أشباح الماضي، فلم نجد غيرها معينا، فتشنا عن نموذجا سهل التطبيق، وأتينا بأشخاص من الماضي (رغما عنهم) ليحكمونا .
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

1 التعليقات

  1. رائع ، لكن السؤال ، كيف يعبر المنتج التاريخي الاجتماعي شروط صفتيه هاتين متجردا منها ، ليصبح مقدسا من المقدس

    ردحذف

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: الثقافة .. سلطة الغائب Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top