بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 27 ديسمبر 2015

أحمد عبدالعليم يكتب: الإنسان هو ما هو عليه

في أحد أفلام العظيم المحبوب اسماعيل يس، وكان يؤدي دور رجل فقير يدعى (أفلاطون) وراهنه أحد الأغنياء على أن يعطيه ما يريد من مبالغ مالية، ليتأكد لكل منهما قيمة المال ــــــــ وكما نعرف فإن المقصود بلفظة " المال" هو ما لي ، أوما أملك ــــــــ إذ كان يحدثه عن السعادة التي يمكن أن يحصل عليها الأشخاص الأغنياء، ولكن تسير الأمور في منحى آخر، ليتأكد لهما في نهاية الرواية خلو هذه المقولة من المعنى، وتهافت هذه الفرضية من أساسها.
بالطبع لا أقصد أن أختزل تلك الخبرات الحياتية العميقة، حول قيمة الحياة، ومعنى السعادة، ومن ثم أضفي عليها سطحية فجة كما هو معتاد، عندما نقرن السعادة بالفقر، والمرض بالغنا، وغيرها من المقولات التي اعتاد البعض على ترديدها، وتعد مثل نظيرتها التي تقرن السعادة بالمال.
وفي واقع الأمر تقدم لنا هذه التجارب الحياتية التي نواجهها خبرات متفاوته المغزى، حسب ما يراه كل منا في تجربته "الذاتية"، وما يواجهه من أزمات، ومن ثم تظل القضية في بعض جوانبها قضية شخصية، خاصة فيما يتعلق بالغاية من الحياة، وأيضا في معنى السعادة، وهنا يمكن صياغة الاستفهام على النحو التالي: ما هي طبيعة العلاقة بين ما يمتلكه الشخص وماهيته كما يراها هو، ومثلما يطرحها الآخرون عنه ؟
من المعروف أن كل شخص يكون تصورا ذهنيا ما عن هويته، وبطبيعة الحال فإن بعضا من هذا التصور الذهني يأتي عبر مقولات الآخرين، ومن خلال تعبيراتهم الاجتماعية التي يواجهوننا بها، وربما المشاعر التي تعتريهم عندما نحضر في محيطهم الاجتماعي، أوعندما يستدعي ذكرنا أحدهم . وما نلاحظه في هذا الصدد هو ارتباط " ماهيتنا" كما نراها، ويؤكدها الآخرون بما نمتلكه ماديا أومعنويا، بحيث يبدو وكأننا نتماهى مع ما نمتلك ليشكل جزءا هاما من "ماهيتنا" كما نعرفها.
إن طبيعة البنية الفكرية التي نؤسس عليها إدراكنا العام بوجودنا تستمد مكوناتها، وتختبر صلابتها، الذهنية عبر مسألة "الامتلاك"، وكأن أفكارنا تطرح علينا مقولة ذهنية مفادها : "أنا أمتلك إذن أنا موجود" . وهو ما يعني في أحد تجلياته المساواة بين "ملكيتي" وبين "كينونتي"، وكلما تعاظمت ملكيتنا كلما تعاظم وجودنا، فالحضور الفعلي لما نمتلك سواء أكانت ملكية مادية أم معنوية، يعبر عن وجودنا، وتصبح القيمة الفعلية "الفورية" لي هي مقدار ما أملك متضمنا من أشياء، وما أملك من آراء ومعتقدات أيضا، تصبح هي وحدها "الحق" وما عداها "باطل".
إن الخروج من فخ الربط الذهني في لا وعي الـ " أنا " بين "الامتلاك" و"الكينونة" يتطلب المعرفة بالفوارق الحادة بين "الوجود" الإنساني، وبين الأشياء المادية، والأفكار والآراء والمعتقدات، والأدوار المتعددة التي ألعبها في الحياة، ليس بهدف التخلص منها، أو التقليل من أهميتها، ولكن من أجل الشعور بالتحرر من غواية الرغبة في الامتلاك، والانفصال عنها، بحيث أصبح قادرا على اكتشاف ذاتي بمنأى عن كثافة الأشياء، وأصبح واعيا بصلتي بها، وقدرتي على الفكاك من أسر هذا الارتباط، واكتشاف الطبيعة النسبية والسطحية للإشباع الذي يحدثه فعل التملك، والتي لا ينتج عنها سوى الرغبة في المزيد، وهي رغبة لا تنتهي، وربما تتحول في إطار السعي المحموم إلى الإشباع، إلى "نهم" لا يكتف، بل أحيانا ما ينتج قلقا نفسيا نتيجة الشعور بعدم الاكتفاء. فأشكال "الوهم" المتعددة مثل "لي" و"ملكي"، و"هل من مزيد"، و"ينبغي لي أن أحصل على"، و"أحتاج إلى"، لا تعبر في صميمها عن "وجودي"، وسأظل دائما مهما كان "الشغف" عاجزا عن الوصول إلى الإشباع، وسأبقى أسير الاحتياج الذي لا ينته.
إن الرغبة الملحة في المزيد، لا يمكن لها أن تتوقف إلا بقدرتي على الوصول إلى الوعي بطبيعة الصلة بين مكونات وجوانب "وجودي" المتعددة، وبين ما هو خارج عن "الأنا" وضبط العلاقة بينهما، بهدف التخلص من المتطلبات الزائفة التي لا تمثل احتياجاتي الفعلية ، حينها يمكنني التخلص من كراهياتي الدائمة، ومخاوفي تجاه الآخر والتي تصور لي أنني الأفضل، وأنني دائما على حق .
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

2 التعليقات

  1. لية مافيش تعليقات طبعا مقال جيد بة روح طواقة للمعرفة لاتدعيها مثل حال كثيريين لهذا يسهل عليك التفرقة مابين هو حقيقي وماهو متصنع رغمأزدياد الغبار الثقافي نتيجة لسقوط هوية الوطن - عاطف ابوشهبه ايون عاشق لفن يندثر

    ردحذف

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: الإنسان هو ما هو عليه Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top