بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 3 أبريل 2018

ثقافة الطفل العربى… وتحديات العولمة ... أحمد عبد العليم أحمد

عالم مراوغ ..غير متحدد:

العولمة Globalization مصطلح مراوغ غير متحدد يكتنفه الغموض، تكاد مدلولاته أن تشمل جميع التحولات الطارئة على العالم منذ عصر "السحر والأسطورة  وحتى عصر" الفمتو ثانية و الهندسة الوراثية ". وكل محاولات التوسع الإمبراطورى منذ عصر الاسكندر الأكبر وحتى عصر رؤساء أمريكا الصغار، وكل محاولات الاستغلال منذ عصر العبودية وحتى عصر الليبرالية الجديدة. بات الحديث عنها وكأنها الموضوع الوحيد لتجمعات الساسة والاقتصاديين والمفكريين، بل ورجل الشارع أيضاً " وأصبحت شاغلاً أساسياً للتنظير الثقافى من الإعلام إلى الإبداع ومن تربية الطفل إلى إعداد الدعاة الدينيين ... ويقود عولمة أيامنا، أباطرة المال، وكهنة تكنولوجيا المعلومات، ومن ورائهم سدنة السياسة"(1) وتتجلى العولمة عبر مجموعة من العناصر المعقدة التى لا تعرف على وجه الدقة هل هى نتاج للعولمة أم أنها – العولمة – هى نتاجها.

وتتمثل هذه العناصر فى:

* ثورة المعلومات و التفجر المعرفى:
 والذى أتى للعالم بكتل هائلة من المعارف، مختلفة فى الكم ،وفى النوع، عن معارف القرون السابق، وهى فى ازدياد مستمر، وتنوع هائل، وتعقد لا ينقطع، الأمر الذى يكاد يستحيل معه استيعابها وملاحظة أبعادها "(2) والتى نشأت نتيجه تفاعل:
( أ ) ثورة الأتصالات التى حولت العالم إلى قرية صغيرة، وربطت الشعوب المتباعدة ،فأصبح الإنسان يستطيع أن يرصد ما يجرى على الطرف الآخر من الكرة الأرضية، بالصوت والصورة لحظة حدوثه. وفرضت فى أجواء الفضاء العالمى السرعة البالغة، وسعة المعلومات وتشابكها، وإلغاء الأبعاد وترابطها، وتقلص المسافات الزمانية والمكانية وتجاوزها.
( ب ) ثورة فى تكنولوجيا المعلومات، والتى تمثلت فى اختراع وتطور الحاسوب "الكمبيوتر" الذى أضاف إلى الانسان قدرات هائله على الاحتفاظ بالمعلومات ومعالجتها بسرعة خيالية، تتجاوز عبر تطوراتها حدود الوقت والجهد المبذول فى العصر الماضى بطريقة لايمكن تصورها (3)
* الثورة العلمية والتكنولوجية:
التى تفرض على العالم وسائل وعلاقات جديدة ،وطرقاً فى العمل لم تعرفها البشرية من قبل، وهى تتوسع وتتعمق عبر تقنياتها القديمة، وتتجاوزها، حيث تحدث فجوة هائلة السعة بين المنجزات التكنولوجية وما نتج عنها من ثقافة ،وبين الثقافات التقليدية العريقة.
تتمثل الثورة العلمية والتكنولوجية فى تلك التغيرات الثورية التى تحققت فى مجالات عديدة، فى مقدمتها الالكترونيات الدقيقة، والآلات الحاسبة، والإنسان الآلى، وصناعة المعلومات والاتصالات، والطاقة النووية، وتكنولوجيا الفضاء، والطيران النفاث، ويمكن أن نوجزها تحت مسمى ثورة تكنولوجيا المعلومات، وثانى هذه المجالات هو استخدام منجزات علم الأحياء والهندسة الوراثية، وأبحاث الفضاء وتلك هى ثورة التكنولوجيا الحيوية، أما ثالث مجالات الثورة العلمية والتكنولوجية فهو مجال تخليق المواد الجديدة، وإحلالها محل المواد الطبيعية... وهذه هى ثورة تكنولوجيا المواد"( 4 )
التغيرات الاقتصادية: فى ظل العولمة، حيث التدويل المضطرد للعلاقات الاقتصادية، وسيادة سياسات السوق المفتوح، والاقتصاد الليبرالى، وعولمة الاقتصاد، بدءا بعملية الإنتاج وإنتهاء بعمليات التجارة والتداول، وحيث "لم تعد المنافسة الاقتصادية تقتصر على ميدان الإنتاج المادى، بل امتدت إلى المجال غير المادى، إلى مؤخرة الانتاج الحديث، وأصبحت التكنولوجيا الحديثة موضوعاً أساسياً للتجارة الدولية"(5) وما نتج عن هذا من تداعيات سياسية واجتماعية وثقافية من شأنها أن تشكل النمط الثقافى والحضارى لأى مجتمع.
 فالعولمة نتاج عديد من المقدمات المباشرة وغير المباشرة، التى صاغت كوكبنا على نحو جديد، بحيث أصبحت منظومة مترابطة بإحكام شديد، يؤثر ما يحدث فى أى جزء فيها على مجريات الأحداث فى العالم أجمع. حيث تطور الاقتصاد الرأسمالى  إلى أساليب شديدة التعقيد، وانتقل معها العالم من عالمية السوق والتجارة والتداول والتوزيع والتبادل إلى عالمية حلقة الانتاج وإعادة الانتاج فى ظل شركات متعدية الجنسيات، يشير كثير من المحللين إلى أن سلتطها تتوسع باطراد ولم يسبق له مثيل، بحيث أصبحت حفنه من البشر يمتلكون مصير هذا العالم، الأمر الذى يجعلنا نتسائل: هل ستكفل العولمة نموا إقتصادياً أسرع للغالبية العظمة من البشر؟ أم ستشجع على المزيد من الاختلال والتفاوت الحادث فى توزيع الدخل؟ وربما تجيبنا المعطيات التى تشير إليها بعض الأحصائيات والبيانات التى سنوردها عن هذا التساؤل:
* ارتفع الدخل الإجمالى بين عامى 1970: 1985بمقدار 40% ، ولكن عدد الفقراء إزداد فى نفس الفترة بمقدار 17%.
* انخفض الدخل الفردى لحوالى 200مليون من سكان العالم فيما بين عامى 1965 : 1980 ، بينما انخفض هذا الدخل بين عامى 1980 : 1993 لحوالى ألف مليون من الأفراد .
* توقف النمو لأكثر من ربع سكان العالم حتى العام 1996.
* يعانى أكثر من 800مليون شخص من الجوع ،ويعانى حوالى 500مليون من سوء التغذية.
* لا يجد ملايين من الأطفال مكاناً فى المدرسة ،منهم 130مليون فى سن التعليم الابتدائى ،و275مليون فى سن التعليم الثانوى.
* يعيش ما يقرب من 1.6مليار شخص اليوم فى مستوى أقل مما كانوا عليه فى أوائل الثمانينات.
* تزيد ثروة 358 فرد من المليارديرات بالدولار فى العالم عن الثروة المجمعة ل45% من السكان فى العالم.
* تستحوذ 20% من دول العالم على 85% من الناتج العالمى وعلى 84% من التجارة العالمية ،ويمتلك سكان تلك الدول 85% من المدخرات العالمية.(6)
نحن إذن أمام منظومة من المؤسسات العالمية، تفرض نسقاً من القيم يتوافق ومصالحها، ويدعم وجودها ولايعبر بأى حال من الأحوال عن مصالحنا "نحن" ولا أقصد "نحن" مجموعة الشعوب العربية فحسب، بل أعنى مصالح أربع أخماس سكان العالم. إننا أمام خيارات عدة، والاختيار السائد هو اختيار الأقوى لا محالة. وعلى الرغم من التفاوت الكبير والتغير البنيوى العميق الذى أخذ يطول علاقة الشمال بالجنوب شعوباً ودولا وأفراد، فمازال فى الأمكان العمل على تسييد وجهة النظر الانسانية القائمة على تفاعل شعوب العالم من أجل توجيه الاقتصاد العالمى لمصلحة الغالبية العظمى من قاطنى كوكبنا، لا مصلحة تلك الأرباح التى تعلى من رصيد قلة من الرأسماليين، وأن تسيد وجهة النظر القائمة على التنوع الثقافى والأخلاقى لا على سيادة الثقافة الأمريكية التى تغزو العالم عبر منتجاتها الأستهلاكية "إن جملة التناقضات التى تنطوى عليها العولمة الحالية كالهيمنة على المؤسسات الاقتصادية الدولية، والتحكم فى عمل مؤسسات الشرعية والقانون الدولى والآثار الخطرة لسيطرة الشركات المتعدية الجنسيات على الأقتصاد العالمى إلى جانب تدويل ونشر القيم الثقافية والعادات الأستهلاكية وأنماط السلوك، على الطريقة الأمريكية، إذا كانت هذه الملامح و التناقضات هى ما يحكم وضع العولمة، فإن الأمل فى بناء عولمة بديلة ذات طابع إنسانى فى توجهها، وذات نزوع ديمقراطى فى التعامل مع ثقافات وشعوب الأمم الأخرى، يصبح أملاً مشروعاً يستحق من الجميع التفكير والعمل من أجل خلق الشروط لبناء العولمة المستقبلية البديلة "( 7 ) .
 نستطيع بناء عولمة بديلة، يكون أساسها الإنسان، ومضمونها يحتوى على جملة العناصر الدافعة لتقدم البشرية لا تلك التى تقوم على استنزاف الآخر، واستغلال موارده، وإستعباد وعيه، عولمه بديلة تقضى على هذا التفاوت المذهل فى الدخول بين سكان العالم، وتفرز مواطناً عالمياً بحق"إن مصير الانسانية فى الميزان فالتقدم العلمى والتكنولوجى ،ثمرة المعرفة، يخدم الأقلية، بدلاً من تحقيق الرافاهية للجميع، وهذا الاستخدام يطحن كثيراً من الكائنات البشرية على نطاق العالم ،ويهمشهم، ويستعبدهم... ولا يقدم الاقتصاد – اليوم – السلع والخدمات إلا للأقلية، ففى شكله المعاصر يلقى بأغلبية الانسانية تحت وطأة استراتجيات النضال من أجل البقاء، بل ويصل إلى حرمان مئات الملايين من الأفراد من حق الحياة"( 8 )
وهذه التناقضات التى تنطوى عليها العولمة فى صورتها الحالية، تجعلنا أمام تحديات جسيمة، لا تتعلق بقضية التنمية فحسب، بل بقضية الوجود ذاته "وياله من تحد جسيم ذلك الذى ينتظر أمتنا العربية، فى هذا العالم المغاير حثيث الخطى، وقد امتد نطاق التحديات ليشمل معظم جوانب حياتنا، تحديات علمية وتكنولوجية واقتصادية، تظل رغم حدتها وقسوتها دون تلك التى نواجهها على جبهتى السياسة والثقافة، وكما خلص كثيرون، فاننا نواجه معضلة صنعتها أيدينا أكثر مما ساهمت فيها أقدارنا، ولقد ألفنا عشرة تلك المعضلة لطول إقامتها بيننا، وسئمنا معرفة أسبابها، وعزفنا بالتالى عن التبصر فى آثارها وإن استمر الوضع على ما هو عليه فليس أقل من الكارثة"(9).
وتواجه البلدان العربية هذه التحديات التى تتعلق فى صميمها بقضية المصير ، فى ظل واقع حضارى وثقافى ينبئ عن كثير من عوامل الضعف والتردى منها:
v     عدم مسايرة السياسات التعليمية والثقافية لحاجات المجتمع وتطورات العصر.
v   الأمية الثقافية التى تتعدى المعنى الضيق لمفهوم الأمية ، مما يؤدى إلى توقف كثير من آليات العمل الثقافى ، ويؤدى إلى نقص حاد فى إنسانية الإنسان .
v   سيادة الثقافة السطحية ، وسيادة القيم الاستهلاكية ، حيث يتم تحويل الدول النامية وضمنها البلدان العربية إلى كائنات استهلاكية مادياً وفكرياً ، وتهميش الحضارات والثقافات الأخرى ومن بينها الثقافة العربية .
v     غياب الرؤية الشمولية فى السياسات الثقافية .
v     غياب الفلسفة الاجتماعية التى يبنىعليها فلسفة تربوية واقعية ومتماسكة (10).
   ومن خلال ما سبق يبدو بوضوح حجم التحديات المفروضة على مجتمعاتنا، وحجم الجهد الذى ينبغى أن يبذل فى ظل عالم جديد، من السابق لأوانه الحديث عن ترتيبات جديده تجرى فى إطاره، وينبغى أن تشارك مجتمعاتنا فى صناعته وتشكيله، ويصبح لها دور فعال فى صياغه آلياته.
إشكالية الهويةالمطلق والنسبى فى سؤال الهوية
لا تعنى الهوية ذلك التكوين الجامد الذى ينتقل عبر الأجيال ،دون أن يطرأ عليه عوامل التغير، متحديا الزمان وتحولاته التى يطرحها عبر ملابسات التاريخ والجغرافيا ، وتسم مجتمعاً ما فى مكان محدد بسمات مطلقة ، لا يعتريها التحول. بل تعنى ذلك التكوين المنفتح الذى يبنى من جملة عناصر تنشأ نتيجة لمجمل الظروف الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ،وعبر عوامل الدين واللغة والتاريخ، وعمليات التأثير والتأثر، والقوى الفاعلة الداخلية والخارجية التى ساهمت فى تشكيل هذه الهوية فتعطى المجتمع خصوصية وتمايزاً، من خلال عملية دينامية مستمرة، تتحول فيها الثوابت والمتغيرات وفقاً لأولويات المجتمع، ولما يواجهه من تحديات، ووفقاً لمعطيات الواقع وطبيعته، وطبقاً لمواقف تعبر عن طبيعة العلاقة بين الذات الموضوع ، أو الأنا الآخر ،وطبقاً لمواقف تعبر عن نقاط قوة أو ضعف وتبرز إمكانات وقدرات ،وتطرح بدائل تعبر جميعها عن رغبة عارمة – من قبل المجتمع – فى البقاء، ورفض حاسم للاندثار أو التحلل .إذ لابدلنا من التمييز بين نوعين من خطابات الهوية ودعاة الخصوصية " خطاب الخصوصية الثقافية المنغلقة ، الذى يتمركز حول أصول ثقافية نقية ،ويتشبث بأنساب فكرية قارة لرفض الآخر ، وثقافتة المغايرة ،ظناً منه أن الخصوصية الثقافية ذات جوهر خالص غير قابل للتغيير. وخطاب الخصوصية الثقافية النقدية المناوئ لنزعة التمركز الغربى، وجميع أشكال التمركز التى تلغى الآخر ،والذى يرى فى الخصوصية الثقافية مجموعة من الخصائص والسمات التى تشكلت نتيجة تفاعل عوامل مركبة عديدة مع الواقع من طرف ،ومع الآخر الخارج من طرف ثان ،ولا يعتبر الخصوصية الثقافية جوهراً ثابتاً، ولا معطى جاهزاً، بقدر ما ينظر إليها بوصفها حصيلة تفاعل مع متغيرات ومعطيات الواقع الثقافى المتحولة فى إطار الزمن (11)
لا يكشف هذا الطرح السابق عن رغبة فى القطيعة أو بحث فى التغريب، بل عن طرح – غير وسطى – لإمكان مقبول يهدف إلى إثارة تساؤلات مشروعة حول ضرورة البحث عن رؤية  جديدة لمجتمع جديد، دون أن تعترضنا معوقات الخوض فى إشكاليات الأصالة ومراوغات الحداثة، باعتبارهما الاختيارين الأوحدين للتقدم، ليس تحت دعوى رفضهما، أو رغبة فى التهوين من شأنهما، بل تحت زعم – قد يصدق – يؤكد وجودهما المستمر فى ثنايا عملية الانتقاء التلقائية التى يقوم بها الوعى الجمعى، بغرض الحفاظ على العناصر الخاصة التى تجمع أفراده دون أن تفصلهم عن معطيات العالم وواقعه.
إنها عملية جامعة مانعة، عادة ما يؤديها المجتمع فى ظروفه المختلفة، ويهدف من جرائها إلى تشكيل وعى أفراده، بالأسلوب الذى يكفل بروز بدائل عديدة ومتنوعة للوجود والاستمرار وضمان الترابط، إنها عملية "يتم غرس جذورها الأولى خلال عملية التنشئة الإجتماعية، وتتخد ملامحها فى إطار الثقافة العامة التى ينمو فى إطارها الفرد، وما يشتمل عليه المجتمع من نظم ومؤسسات، وتتبلور وتتضح فى إطار ممارسات الأفراد خلال حياتهم اليومية وما يزاولون من أنشطة (12) إذا تشكل المقومات الثقافية المتنوعة عناصر الهوية الرئيسية حيث تتماس وتتعامد مع الثقافة بمفهومها العام.
الثقافة بين العام والخاص:
يلتقى النهوض بالإنسان وتنمية وعيه وتطوير إمكاناته، وتوفير الظروف الاجتماعية والانسانية الملائمة، التى تساعده على الإنجاز والإبداع، مع تنمية البيئة الأساسية، والنهوض بمجمل الظروف المادية، ذلك لأن الإنسان هو الصانع الحقيقى لنهضة المجتمع. ويفرز هذا الطرح السابق نتيجة محورية تتمثل فى ضرورة أن تحتل الثقافة والتنمية الثقافية مركز الصدراة فى أية خطة تنموية بوصف الثقافة عنصراً رئيسياً فى تنمية الانسان، وجزءاً جوهرياً فى حياة الفرد و المجتمع، وفقاً لمفهومها العام الذى يعنى: ذلك النسيج الكلى المعقد من الأفكار والمعتقدات، والعادات والتقاليد والاتجاهات والقيم، وأساليب التفكير والعمل، وأنماط السلوك، وكل ما ينبنى عليه تجديدات وابتكارات، أو وسائل فى حياة الناس، مما ينشأ فى ظله كل عضو من أعضاء المجتمع، ومما ينحدر إلينا من الماضى، فنأخذ به كما هو أو نطوره، فى حدود ظروف حياتنا وخبراتنا(13).
فالثقافة هى الإنسان بوصفه فاعلاً ومنفعلاً، إذ يدخل فى إطارها العام كل ما أنتج الإنسان من إنتاج مادى أو غير مادى، سواء كان تراكم خبرات أم ممارسات فكرية، تصورات من عقائد روحية أم صنع أداة من الأدوات أو تقليداً من التقاليد، فهى تشمل ضمن ما تشمل: أسلوب تربية الأب لإبنه، وأسلوب عمل صانع الفخار لأوانى الفخار، وأسلوب تناول الطعام، وإرتداء الملابس، واستخدامات اللغة والرموز، وأسلوب الزواج، ودفن الموتى، فالثقافة إلى جانب كونها سلوكاً بشرياً جماعياً، ونمط عيش مشترك ،وإلى جانب كونها قيماً روحية وعقائد وتقنيات، فهى أيضاً بصورة رئيسية علاقة إنسان ببيئته ومحيطه، وإبداعاته المادية والجمالية وبذاكرته الجماعية، وهى بالاضافة إلى كل ذلك مجموع النشاط الفكرى و الفنى بمعناهما الواسع، وما يترتب عليهم من أساليب وأشكال من القيم، يبتكرها الإنسان ليكسب إنسانيته معناها الخاص، وينظم بها حياته.
ولعل الثقافة فى مجملها تمثل عملية التنشئة بكافة أشكالها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ..الخ ولكى يبدو المدى الذى تؤدى العوامل الثقافية فى إطاره لتشق لمسالك الحياة مجراها ، يكفى تعقب سلوك فرد واحد خلال يوم واحد، سواء أكان ذلك اليوم فى حياة عامل أم رجل من أرباب المهن أم فنان أم عالم، فالنتيجة هى اكتشاف الصورة التى يأتى بها السلوك مشبعا من أوله لآخره بعوامل وظروف ثقافية فى نشئتها ومضمونها باعتبارها أسلوب عمل ومنهج حياة، بالإضافة إلى كونها : ذلك الكل المركب الذى يتألف من كل ما نفكر فيه أو نقوم بعمله أو نتملكه كأعضاء فى مجتمع (14)
 أين يقف الطفل من كل هذا؟!
إجابة الاستفهام هنا ترتكز على قاعدة عريضة أساسها:
إنه كلما كان بلد ما يرغب فى توفير موارد لتطوير الطفل كافية لتزويد كل طفل بإعداد أفضل للحياة، وكانت لديه القدرة على ذلك زادت الفرصة أمامه لتحقيق ابتعاد حاسم عن الحلقة المفرغة للفقر والركود الاقتصادى (15) بوصف النهوض بالطفولة ركيزة أساسية للنهوض بالمجتمع وتنميته، وباعتبار التنمية فى صميمها هى طموح الأمة الحاضرة نحو إنجاز حياة أفضل للحياة القادمة.
الطفولة:
الطفولة هى مرحلة نمو يتصف بها الأطفال، لها خصائص وعادات وتقاليد وميول وأوجه نشاط وأنماط سلوك متميزة، إذ إن للأطفال فى كل مجتمع مفردات لغوية متميزة، وعادات وقيم ومعاير، وطرق خاصة فى اللعب وأساليب خاصة فى التعبير عن أنفسهم، وفى اشباع حاجاتهم، ولهم تصرفات ومواقف واتجاهات وانفعالات وقدرات، إضافة إلى مالهم من نتاجات فنية ومادية، أى لهم خصائص ثقافية ينفردون بها، ولهم أسلوب حياة خاص بهم، وهى تنفرد بمجموعة من الخصائص والسمات، وتشترك مع المجتمع فى مجموعة أخرى (16)
ويكشف هذا الطرح السابق ما للثقافة من دور كبير فى نمو الأطفال فى مراحلهم العمرية كافة، وفى أثرها الواضح على جميع قواهم وقدرتهم وعلى نحو كبير من حيث:-
النمو العقلى : من خلال تأثر النشاط العقلى بما يستمده الطفل من بيئته الثقافية .
النمو العاطفى : من خلال تنمية استجاباتهم الانفعالية وإكسابهم الميول والاتجاهات وطرق التعبير .
النمو الحركى: من خلال عملية التنظيم لمجمل حركاته و نشاطاته ومهاراته.
النمو الاجتماعى: من خلال نسق علاقتهم بالآخرين، ووفقاً لمنظومة القيم التى تطرح عليهم.
وينطوى ذلك على مجمل البناء العام لشخصية الطفل، حيث تشكل ثقافة الطفل إنعكاساً حقيقياً لثقافة المجتمع، إذ تعد بمثابة النسق الأصغر داخل النسق الأكبر للمجتمع ، والصلة بينهما مثل الصلة بين الظواهر الكلية والظواهر الجزئية فى البيئة الثقافية المعنية .وكما تتأثر ثقافة الطفل بالمضمون الاجتماعى والسياق الكلى للمجتمع، فإنها تتأثر أيضاً بمجمل الأطر المرجعية التى تؤثر فيهم، حيث إن الأطفال ليسوا فئة متجانسة فيما بينهم، بل وفى واقع الأمر أنهم ينتسبون إلى طبقات وأصول وإنتماءات مختلفة، تؤثر فى ثقافتهم، وفى اتجاهتهم الفكرية، وأساليبهم السلوكية، وللممارسات والخبرات التى تهيئها لهم البيئة، وتنتجها الأنظمة التى يكتسبون ثقافتهم من خلالها ( 17)  حيث يولد الطفل صفحة بيضاء تسطرها البيئة والمناخ الاجتماعى الثقافى العام بالاضافة إلى مجمل الظروف الحياتية.
ومن خلال ما سبق يتضح أن:
أ ) الأطفال لا يشكلون جمهوراً متجانساً، بل يختلفون باختلاف أطوار نموهم، وحسب السمات والخصائص العامة النفسية والعقلية والانفعالية والجسدية ..الخ لكل مرحلة من هذه المراحل.
ب ) ثقافة الأطفال ترتبط بثقافة المجتمع برباط متين ، إذ إن كل مجتمع يعمل – فى العادة – على نقل ثقافتة إلى الأطفال محملة بطموحاته وتطلعاته الآتية نحو المستقبل.
حـ) ثقافة الأطفال تختلف باختلاف البيئة والفئة الاجتماعية والمهنية.
ء ) تتجه الثقافة للفرد، ولكنها تسعى لأن تشمل الجماعه كلها.
هـ ) الثقافة المستمرة، تبدأ مع الفرد من مراحله الأولى، وتتواصل معه وتتنامى.
و ) الثقافة مكتسبة وليست فطرية، وبالتالى تعتمد على عملية التربية والتعليم، وإمكان تعديل السلوك.
واقع الوسائل الثقافية للطفل العربى:
تتعدد الوسائل الثقافية للطفل وتتباين، ولكنها جميعها تصب فى اتجاه واحد هو تنشئة الطفل. وعلى هذا سيتم التركيز على بعض هذه الوسائل، من خلال واقعها الحالى فى مجمل البلدان العربية.
* السينما: تعد السينما أحد الفنون التى تتمتع بقدرة فريدة على الجذب والتأثير وخاصة على الأطفال، إذ يؤكد عديد من الباحثين على قدرة الطفل العالية على إدراك الصور خاصة المتحركة والإحساس بها إذ تنطبع فى عقلة، وذاكرته، ومن ثم تصبح استجابته لمضمونها أكبر، وعلى الرغم من ذلك تعانى سينما الأطفال فى الوطن العربى من تخلف كبير وباستثناء بعض المحاولات السينمائية التى لاتذكر إذا ماقيست بعدد الأطفال العرب نستطيع أن نقول بأنه لم تولد حتى الأن سينما أطفال عربية حقيقية (18)
وفى عدد خاص من "مجلد ثقافة الطفل "عن سينما الطفل العربى أوضحت عديد من الدراسات و البحوث أن سينما الطفل فى البلدان العربية مازالت فى حاجة إلى إعادة النظر وذلك لضآلة المحاولات العربية فى هذا الصدد، والاعتماد على الأفلام المستوردة ،ووجود معوقات عديدة أوجزتها فى التالى :
- عدم توافر رأس المال اللازم لإنتاج هذه الأفلام.
- ندرة الكوادر الفنية العربية القادرة على تقديم أفلام جيدة للأطفال.
- قلة الأماكن المخصصة لعرض أفلام الأطفال.
- صعوبة تسويق أفلام الأطفال العربية.
- منافسة التليفزيون وتفضيل معظم العائلات العربية مشاهدته عن السينما.
- منافسة الانتاج الأجنبى للإنتاج العربى فى مجال أفلام الأطفال، نظراً لسهولة الحصول على أفلام مستوردة ورخص ثمنها بالمقارنة وتكاليف إنتاج فيلم سينمائى عربى للأطفال(19) .
التليفزيون: يعد التليفزيون إحدى وسائل الاتصال الهامة نظراً لاعتماده على عناصر الصوت والصورة و الحركة مما يعنى سرعة استيعاب الطفل لمضون رسالته بالإضافة إلى وجوده داخل البيت حيث يؤكد بعض الباحثين على أنه (التليفزيون ) قد أصبح أحد أفراد الأسرة.
على الرغم من ذلك تؤكد الدراسات فى هذا المجال على:
- ضعف برامج الأطفال العربية بالتليفزيون كما وكيفاً، وغياب الأفلام والمسلسلات العربية الخاصة بالأطفال، والتى تثرى الشاشة الصغيرة وتبرز من خلالها الشخصيات التراثية والوطنية التى تسهم فى تحقيق الشخصية العربية، والاعتماد على المواد المستوردة فى معظم برامج الأطفال وعلى وجه الخصوص الرسوم المتحركة، مما يعنى الترويج لثقافة أجنبية لا تتناسب ومجمل ظروف مجتمعاتنا العربية، وتؤثر على الأطفال بطريقة سلبية، حيث تدعم قيماً تختلف وقيمنا، وتروج لعادات وتقاليد تتنافى وعادتنا وتقاليدنا، مما يؤثر على شخصية الطفل وتكوينها العام.
- قصور فى التخطيط للبرامج التليفزيونية الموجه للطفل، وعدم توافقها وخطط الدولة التنموية، وعدم إشباعها لحاجات الطفل الأساسية، وإهمالها التوجه لبعض البيئات مثل أطفال الريف، وأطفال البادية.
وتتسم برامج الأطفال العربية بأنها:
أ- نمطية الأداء، سطحية المضمون، خالية من أى جذب أو تشويق بالمقارنة بالإنتاج الأجنبى.
ب – لا تتعرض لتنمية الروح القومية العربية، وتتناول مفهوم الانتماء القطرى بأسلوب دعائى مباشر ينفر منه الطفل فى العادة.
جـ – لا تهتم بتنمية قدرة الطفل على مواكبة الأحداث، وتعميق الوعى الاجتماعى لديه.
د – لا تبدى اهتماما كافيا بالثقافة والترويج لأهمية العلم والتفكير العلمى.
هـ- لا توجد أهداف محددة أو مفاهيم عامة تعمل فى إطارها(20).
الإذاعة: تعد الإذاعة إحدى الوسائل المتميزة إذا يمكنها الوصول إلى أبعد الأماكن ،كما أنها وسيلة رخيصة الثمن سهلة الاستخدام، إلى جانب كونها لا تحتاج لقدرات تعليمية كالقراءة والكتابة من قبل المتلقى، بالإضافة إلى قدرتها على إطلاق خيال الأطفال.
وفى ضوء عدد من الدراسات فى هذا الصدد يتضح:
 - قلة التوافق بين برامج الأطفال وخطط الدولة فى المجالات التنموية المختلفة.
- قلة الكوادر الفنية فى هذا المجال.
- قلة برامج الأطفال، وعدم كفايتها لإشباع حاجات الطفل الأساسية، وضعف اهتمامها بتنمية قدرات الأطفال المختلفة، وعدم ملاءمتها لكافة البيئات.
- لا يوجد أهداف محددة أو مفاهيم عامة تعمل فى إطارها.
- لا تتعرض لتنمية الروح القومية العربية، وتتناول مفهوم الانتماء القطرى بأسلوب دعائى مباشر.
- لا يوجد تخطيط بعيد المدى.
- منافسة التلفزيون للإذاعة أدى إلى انصراف معظم الأطفال عنه(21) .
كتب ومطبوعات الأطفال :لكتاب الطفل ومطبوعاته المختلفة أهمية كبيرة ومؤثرة وعلى الرغم من ذلك ما زال إصدارها يمثل مشكلة من أهم المشاكل التى تواجه عديدا من الدول العربية ويمكن تحديد معوقات انتشارها.وأهم مشكلاتها فيما يلى:
1) عدم وجود دور نشر متخصصة فى نشر كتب ومطبوعات الأطفال.
2) تخلف صناعة الكتاب فى عديد من الدول العربية.
3) قلة معارض إصدارات الطفل المختلفة.
4) قلة الكوادر الفنية القادرة على إخراج مطبوعات جيدة للطفل.
5) عزوف الكتاب المبدعين عن التوجه لأدب الأطفل والتمرس فيه.
6) النظرة العربية الضيقة لأدب الطفل وعدم استيعابه باعتباره فرعاً من فروع الأدب العربى فى معظم الجامعات فى الدول العربية.
7) الارتفاع الكبير لأثمان المطبوعات بصورة تعجز عنها القدرة الشرائية لكثير من الأسر أو تضعها فى مرتبة متأخرة فى سلم أولوياتها.
8) ضآله الكتب التى تتناول الموضوعات العلمية ، العلم، والمعلومات.
9) كثرة الكتب والمطبوعات التى يغلب عليها الطابع الاستهلاكى.
10) عدم الاهتمام بموضوعات الشعر والفنون والأنشطة ،والهوايات المختلفة.
11) شخصيات وأبطال القصص لا تمت إلى وطننا العربى بصلة ،فهى نماذج شخصيات لها مثلها الخاصة وسلوكها المختلف وبيئتها المغايرة والتى تختلف عن توجهات ومثل وقيم المجتمع العربى.
12) أن كتاب الأطفال لا يصدرون فى معظم ما يكتبون للأطفال عن وعى حقيقى بأثر الكتاب على الطفل.
13) لا يتم توضيح العمر الزمنى أو المرحلة العمريه التى يخاطبها الكاتب فى كثير من الأحوال.
14 ) تعرض بعض الكتب للقيم والأنماط السلوكية والنماذج البشرية.
إن واقع ثقافة الطفل فى البلدان العربية يبرز عديداً من نقاط الضوء والتى تمثل مؤشرات إيجابية، وعديد من الانجازات والأنشطة التى تعكس اهتماماً بالطفل وثقافته، ولكن يعكس هذا الحال أيضاً عدداً من المؤشرات السلبية التى اجتمعت عليها عديد من الدراسات والبحوث وأوضحتها خطط العمل العربية المختلفة وأيداتها التقارير المختلفة حول واقع ثقافة الطفل العربى، إذ تؤكد جميعها على:
1 – واقع الأمية الواسع والمنتشر بين الأطفال، والذى يعكس صعوبة استيعاب المؤسسة التعليمية كافة الأطفال فى سن المدرسة فى عديد من البلدان العربية، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التسرب من التعليم فى مراحله الأولى والذى ينتج عنه عديد من المشكلات الاجتماعية مثل ظاهرة عمالة الأطفال – ظاهرة أطفال الشوارع – ظاهرة جنوح الأطفال.
2- النقص أو الضعف فى الأجهزة البشرية والثقافة المتخصصة والمدربة من مشرفين على الخطط والمنفذين لها وكذلك الخبراء والإداريين، وطغيان الأسلوب البيروقراطى على المرونة اللازمة، ونقص الوسائل والمرافق والتسهيلات، ونقص البحوث والدراسات، ونقص قاعدة البيانات والمعلومات.
3 -  غياب التنسيق بين القطاعات الحكومية المختلفة وبينها وبين القطاع الأهلى والمؤسسات غير الحكومية العاملة فى مجال الطفولة، وتضارب الاختصاصات والأنشطة فيما بينها.
4- على الرغم من المؤشرات الإيجابية العديدة، فإن الواقع الثقافى العربى لا يعبر عن المركز الهام الذى ينبغى أن تحظى به الثقافة من ناحية والطفولة من ناحية أخرى حيث أن ملامح التدفق الثقافى لا تزال دون مستوى الطموح والتطلعات. والسياسات الثقافية العربية مازالت لا تحمل أى طابع عام سواء على المستوى المحلى أو على المستوى القومى.
5- ضعف الموازنات المخصصة للثقافة، والذى يؤدى بدوره إلى صعوبة إكتمال العناصر اللازمة لتطوير العمل الثقافى الخاص بالطفل، ومواصلة الأداء المتميز فى عديد من المشروعات الهامة، وتوقف عدد من الأنشطة عن العمل والتوقف عن التطوير الدائم للخدمات الثقافية، وصيانة الأبنية، بالإضافة إلى التوقف عن تطوير الكوادر الفنية المتخصصة واستيعابها للتطورات المتلاحقة والتدفق الرهيب للمعلومات الذى يتسارع بصورة كبيرة مذهلة فى عالم اليوم وتتضاعف سرعة تدفقه.
إن الواقع الثقافى فى البلدان العربية ملئ بعوامل التردى التى لايمكنها إلا أن تنتج ذلك الانسان المتسم بالجمود والتسلط ،ففى مجتمعاتنا العربية نجد أن من "قيمة الفرد ومكانته متحدتان فى المقام الأول بعوامل كالسن والجنس ..ألخ، لابما يساهم به من نشاط،أوبما يتحمله ،من مسؤوليات، ممايؤيد بناء شخصيات جامدة، متسلطه، ولا يساعد على تدعيم صفات مثل الأنطلاق والتحر والعمل الإيجابى المنتج"(23) ،وهكذا يسود الأتجاه التسلطى فى عملية التنشئة فى أغلب البلدان العربية، "ولاغرو فالآباء أنفسهم يرزحون تحت عبئ التسلطيه كقيمة فى الثقافة العربية، تمتد إلى أبعد من الأسرة لتشمل الحياة الاجتماعية والسياسية ووسائل الإعلام وغيرها من الجوانب الأخرى للثقافة بوجه عام.. ويكاد يكون نمط هذه التسلطية واحد فى جميع البلاد العربية على اختلاف ثقافتها الفرعية(24).
وليست عملية التربية والتعليم ببعيدة عن هذا التردى الذى يرزح تحته الواقع الثقافى العربى إذ نراها "توجه جهودها لإقامة هذه العملية على أساس من التحفيظ، والتسميع، والنقل والتكرار، والتقليد، مما أدى إلى قتل روح الابتكار لدى التلاميذ، وتحولهم إلى نوع سيئ من المواطنين ،ذلك النوع الذى لايصلح إلا لكى يؤمر فيطيع، أو توضع له الخطط فينفذ، لأنه يعيش وهو يفكر على فتات الآخرين، فكان ماكان من إعاقة عملية التقدم المنشود(25).
إن التعليم باعتباره إحدى العمليات الهامة المسئولة عن تنشئة الطفل العربى، لايمكن ربطها بالسوق الاقتصادى فحسب، بحيث  تصبح هذه المهمة هى مهمته الوحيدة الخالدة ، إذ لوكان الأمر كذلك ، فلصالح من إنتاج مثل هذه الآلات البشرية ؟‍‍‍‍.. إن مهمة التعليم يجب أن تهدف فى المقام الأول إلى تنشئة مواطن قادر على المساهمة الفعالة فى تطوير وتقدم مجتمعة . تنشئة إنسان قادر على أن يمارس إنسانيته بكافة أبعادها ، وأن يتواصل مع الآخر .قادر على أن ينتج أسباب رفهيته من خلال وعيه بذاته بوصفه عضواً فى مجتمع تتسع دوائرة فى النهاية لتشمل الانسانية كافة ، "إن تربية عصر المعلومات تبحث عن نقطة التوازن بين المثالية والبرجماتية و الرومانتيكية والواقعية والمادية ،وبين المعرفة المجردة و الخبرة العملية ،وبين التوفيق بين مطالب الفرد ومطالب المجتمع." (26) إذ كيف يمكن تنشئة مواطن مبدع فى ظل : - منظومة تربوية/ثقافية لاتفى بأقل احتياجات الإنسان : فصول مكتظة بالتلاميذ مناهج تعتمد على الحشو منظومة تعليمية تعتمد على التلقى السلبى وسائل إعلام لا تقدم عادة سوى السطحى والمكرر والمستورد بنية ثقافية زاخرة بعناصر القهر على إختلاف مصادرة وألوانه(27)
 ثقافة الطفل العربى وآفاق المستقبل:
أمامنا – إذن – واقع ثقافى ملئ بعوامل إيجابية، وأخرى سلبية ، ولدينا كثير من الإنجازات التى تحققت خاصة خلال العقدين الماضيين، يمكن لها أن تصبح نقطة البدء لمشروع ثقافى عام، ونمتلك الطموحات التى تسعى إلى تحقيقها وما ينقصنا هو رؤية شاملة للخريطة الثقافية العربية، ونظرة عامة فاعلة ومستوعبة للمستقبل، إدراك عميق، أكيد وجديد لثقافة الطفل وفق مفاهيم عامة ورئيسية، وفق محددات أساسية، أطر وأنماط شمولية وموضوعية، وعلينا الآن أن ننطلق من نقطة البدء، من اللحظة الراهنة لنتساءل جادين:
* كيف يمكن لنا العيش فى عالم متقلب، غير معقول يكاد ينقض بعضه بعضاَ؟
* وأى لون من التفكير يناسب زماننا القادم ، ويهيئ مناخا أكثر رحمة و أقل شقاء لأولادنا و أحفادنا؟
وأية وحدة نريد لهذه الفسيفساء الإنسانية المنتشرة فى الأرض بلا حد؟
وأىمذهب نريد فى خضم هذه التعدديات المتصارعة فى الأجتماع الإنسانى؟
وأى دور لنا نحن العرب بإزاء ذلك العالم الجديد؟
وما الرؤية  التى يجب أن نشكل وفقها ثقافة المستقبل؟
وما الضرورة الوجودية التى تحكم أفعالنا تجاه أطفالنا وثقافتهم؟(28)
وعليه يمكننا أن نحدد ما الذى يجب أن نقوم به من أداءات إزاء أطفالنا ، وما ينبغى أن نقدم لهم لنتجاوز بها وبهم هذا الواقع نحو مستقبل يكاد يمسك بتلابيبنا ، ونسعى لامتلاك ناصيته ، ونحن على ثقة بأن قدرتنا وإمكاناتنا، إذا خلصت النوايا يمكنها أن تصيغ هذه الطموحات و التطلعات حقائق فعلية ،وإنجازت واقعية ملموسة.
أولاً : مفاهيم أساسية:
1) الأصالة والمعاصرة: من الضرورة بمكان لثقافتنا العربية المعاصرة ان تقوم على ما يجمع مجتمعاتنا العربية من دين، ولغة، رموز ومعايير وتراث، وأن ننتقى من كل هذا ما يصلح، بالإضافة إلى ضرورة أن نتوجه إلى الحاضر ومشكلاته بفعل جاد نتعرف فيه على الإيجابى والسلبى ،المقبول والمرفوض، الثابت والمتغير، وكذاك حتمية أن نتطلع إلى المستقبل مستوعبين تحدياته ومدركين لكنهها ومستفيدين من خبراتنا التراثية عبر حضارتنا الضاربة فى عمق الزمان والمكان بغرض إحداث تلاق مشروع بين الاتجاه التحديثى والتوجهات الأصولية بين الفكر القومى والفكر الإسلامى، بين الدنيا والدين، إذ إنها جميعا تكمن فى ضمير ووجدان أمتنا.
2 ) الوحدة والتنوع: إن عناصر الوحدة فى ثقافتنا العربية مستمدة من وحدة الدين واللغة والقيم والتراث، وتدعم هذه الوحدة حقائق أساسية جديدة فرضتها المتغيرات العالمية من وحدة المصالح، وضرورة التكتل فى مواجهة التكتلات الاقتصادية التى أصبحت تسود العالم. وفى الوقت نفسة فإن عناصر التعدد واقع لا يمكن رفضه ،قائم بالفعل ولا يمكن تجاهله، إذا إن لكل قطر عربى تراثه، وحضارته وتاريخه الخاص، ولكل قطر عربى نظامه السياسى والإنتاجى المختلف.
وهكذا... فإن عناصر الوحدة حقيقية  وعناصر التعدد حقيقة أيضاً ،ولكن المهم هو البعد الذى نقدر أن نستوعب منه عناصر التعدد وتأثيرها وضمنية الوحدة وضرورتها وفق خصوصية قطرية وعمومية عربية شاملة .
3) الهوية الثقافية والانفتاح على العالم:لا شك أن الثقافة العربية قد قامت على أساس متين من تراثها القومى، ولكنها قد انفتحت على الثقافات الأخرى، أثرت رصيدها باستيعاب مختلف الثقافات والحضارات، والاستناد إلى الوعى السليم والعقلانية الحكيمة، يمهد لنا لضرورة تعميق فهم الذات ومن ثم القدرة على التعامل الواعى مع كافة الثقافات الأخرى بمنطق بعيد كل البعد عن الرفض الضيق أو الانبهار السطحى.
4) الطرح الإيجابى للتراث: نحن بحاجة إلى التراث لكى نربط أطفالنا بجذورهم، وزرع بذور الأصالة والمناعة الحضارية فيهم، وتحصينهم ضد محاولات التغريب الثقافى، والرغبة فى إحياء التراث يجب أن تكون واعية لأن هذا الإحياء يرتكز على أن الماضى دافع وحافزاً لمواجهة الحاضر، وصناعة المستقبل ليصبح الماضى هو النقطة التى يمكن منها تجاوز الحاضر والانطلاق نحو المستقبل الأفضل الذى يجمع فضائل الماضى وإيجابيات الحاضر وتطلعات المستقبل.
ولا شك أن تراثنا ينطوى على الكثير من النجاحات والنماذج الايجابية فى كافة المجالات العلمية والأدبية والفكرية والبطولية، والذى يمكن أن تكون قدوة لهم من خلال رؤية متكاملة تهدف إلى نقل الحضارة العربية بكافة جوانبها المضيئة والشمول والتوازن المدهش الذى إمتازت به حضارتنا بين الروح والمادة ،الفكر الأخلاقى والفكر العلمى والتكنولوجى فى نسيج رائع ومترابط الأوصال.
5) الترويج للتفكير العلمى: تعد تنمية التفكير العلمى وإطلاق القدرات العقلية والإبداعية لدى الأطفال أحد العوامل المؤثرة والإيجابية القادرة على تنشئة جيل قادر على تحمل مسئوليات البناء والتنمية وتحرير المجتمع من التبعية الاقتصادية والاجتماعية. ومن هنا لا يمكننا الحديث عن مضمون الثقافة دون الالتفات لأهمية الحديث عن الدور الأساسى لإطلاق قدرات الطفل العقلية والإبداعية ،وتنمية قدرته على التفكير العلمى بما يعنى من قدرة على الرؤية الموضوعية للأشياء، والقدرة على تحليل الأشياء لعناصرها البسيطة بغرض تفسيرها وفهمها، والقدرة على إعادة تركيبها وبالتالى القدرة على النقد ومعرفة المختلف والمتشابه والمتماثل، وامتلاك المنهج السليم وغيرها من أدوات التفكير العلمى، إذ يعد هذا أكثر أهمية وثراء من تقديم فيض من المعلومات الجامدة التى تحتاج لتحريكها إلى تسلسل منطقى عقلى قد يكون مفقوداً أوغير متوافر.
ثانياً: المحددات العامة لثقافة المستقبل:
قد لايكون هناك شئ أكثر أهمية فيما نتوسمه فى المستقبل القريب أو البعيد من هذا الإلحاح الشديد على ضرورة مواجهة العالم الجديد بفكر جديد... إذ إن علينا فى مواجهة هذا كله أن نستنهض وعياً أصيلاً شاملاً يعود بالأشياء إلى أصولها العميقة وجذورها الضاربة، فى الوقت الذى يمتد بها إلى مستقبلها البعيد واحتمالاته البعيدة، وتلك هى المهمة الصعبة التى تنتظرنا ونحن فى مستهل القرن الجديد، إدراكاً لأن الوعى الأصيل المعافى هو وحده القادر على أن يسبك معطيات الماضى ورؤى المستقبل فى دائرة فعله الخلاق.
ومن هنا يصبح لتحديد السمات العامة لثقافة الطفل التى تتأسس وفق رؤى تتطلع إلى المستقبل بما يحمله من متغيرات وتحديات ضرورة قصوى، استنادا إلى أن تلك السمات المقترحة ستمثل المحددات والأطر العامة للمضامين المختلفة التى يحتويها أى عمل ثقافى، أو أية وسيلة اتصال ثقافية، جزئية كانت أو كلية، يمكن تقديمها للطفل.
وأتصور أن هذه المحددات يمكن إيجازها فى التالى:
1- إن وسائل التنمية الثقافية كثيرة، ولكنها مطالبة جميعها بأن تصب فى مجرى التنمية الشاملة للمجتمع، باعتبار الثقافة إحدى المكونات الرئيسية لسياسة إنمائية ذاتية ومستديمة.
وعليه... ينبغى تنفيذها بالتنسيق مع المجالات الاجتماعية الأخرى فى إطار منهج متكامل، وعلى أن تراعى كل سياسة – من أجل التنمية – الثقافة بقدر كبير.
2 – لا يستهدف الاتصال الثقافى ( نقل) الثقافة، بل الانتقاء الإيجابى لعناصرها المؤثرة وإثراءها، والانعطاف بالقيم والمعايير والمعانى تحقيقاً لهدف أسمى وهو السعى لتشكيل ثقافة تتوافق وروح العصر، وتتلائم مع تطلعات المستقبل، وتتأسس على ترسيخ وعى أصيل بالذات الثقافية.
وتطرح هذه الرؤية تساؤلا ملحا بيتعلق بسمات إنسان المستقبل فى مجتمعاتنا العربية، والذى يمثل بدوره طفل اليوم الذى نغرس فيه هذه السمات ونساهم فى التشكيل طبيعته  وأظن - دون تجاوز – أن هذه السمات  تتمثل فى:
* إنسان متفرد، غير نمطى، معتز بذاته وبرؤيته الخاصة، وباختلافه عن الآخرين، إنسان قادر على التكيف المتواصل، منفتحاً على متغيرات العالم المتلاحقة ولديه القدرة على التكيف المستمر والتواصل الدائم والتأثير فيها، *ممارس للتفكير النقدى، يرى المستقبل مفتوحا، قابلا للتشكل الدائم، ولديه القدرة على التحليل والتركيب، وفهم الواقع وفق عناصره المتعددة، وطرح البدائل والاختيارات، مبدع، لديه القدرة على الاكتشاف والابتكار، والمبادرة والفعل، قادر على التعلم الذاتى والمتواصل، إذ تتلاحق المعلومات وتتسارع الاكتشافات فى العالم بأسلوب يضطره إلى ضرورة اعتماده على نفسه لملاحقتها، فى جهد متواصل ،وهو لهذا لديه القدرة على استخدام التقنيات الحديثة من وسائل الاتصال و المعلومات مثل الكمبيوتر والإنترنت وغيرها، لديه القدرة على ممارسة التفكير العلمى السليم، معتز بعقيدته ،محترم لعقائد الآخرين، قادر على تقبل الاختلاف والتعددية، وتقبل النقد، واحترام الرأى الآخر، وقادر على النقد والتعبير عن رأيه.
لعل هذه هى بعض السمات التى ينبغى أن يتسم بها إنسان المستقبل، ولاشك أن غيرها كثير تفرضها علينا تطلعاتنا وطموحاتنا، والتى تؤكدها التحديات الراهنة والمستقبلية.(28)


المراجع:
1) الثقافة العربية وعصر المعلومات :د. نبيل راغب- عالم المعرفة ؛عدد 265 المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 2001 ص 39.
2) الخطة الشاملة للثقافة العربية : المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تونس 1996 ص 38 وما بعدها .
3) تحضير الطفل العربى لعام 2000:د. محمد عماد زكى الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1990ص30 ومابعدها.
4) الرأسمالية تجدد نفسها :د.فؤادمرسى عالم المعرفة عدد 147 المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 1990 ص 38.
5) نفس المرجع السابق ص 29.
6) أنظر : تقرير التنمية البشرية لعام 1999- الأمم المتحدة نيويورك 1999.وكذلك : فى مواجهة دايفوس : فرانسوا أوتار ، فرانسوا بولية ترجمه سعد الطويل مركز البحوث العربية و ميريت للنشر والمعلومات القاهرة 2001
7) الآثار الثقافية للعولمة :د.كريم أبو حلاوة عالم الفكر المجلد 29 - المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 2001 ص 172.
8) فى مواجهة دايفوس مرجع سابق ص 69.
9) الثقافة العربية وعصر المعلومات : مرجع سابق ص 21.
10) أنظر الخطة الشاملة للثقافة العربية مرجع سابق
11) الآثار الثقافية للعولمة :مرجع سابق ص 172.
12) التعليم والأعلام وتشكيل الوعى الثقافى : د.فؤادة عبد المنعم البكرى-مؤتمر ثقافة الطفل بين التعليم والأعلام كلية رياض الأطفال  القاهرة 1996ص165
13) نحو فلسفة عربية للتربية: د.عبد الغنى النورى-د.عبد الغنى عبود-دار الفكر العربى ط2- 1970-ص 68.
14) نظرية الثقافة : مجموعة من الكتاب على سيد الصاوى- عالم المعرفة عدد 223- المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 1997 ص10
15)فى التنمية العربية- د.إسماعيل صبرى عبدالله -دار المستقبل العربى-بيروت-1983 ص 137.
16) ثقافة الأطفال : د.هادى نعمان الهيتى -عالم المعرفة عدد 132- المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 1988 ص30.
17) ثقافة الطفل العربى : إسترتيجية للتعاون بين البلاد العربية فى ثقافة الطفل د:أمينة الجندى المنظمة العربية للتربية والثقافةوالعلوم تونس- 1992ص288
18) تحضير الطفل العربى لعام 2000مرجع سابق ص 131.
19) ثقافة الطفل : المركز القومى لثقافة الطفل عدد 23- القاهرة-1998.
20) أنظر : الخطة القومية الشاملة لثقافة الطفل العربى تحضير الطفل العربى لعام 2000- وسائط أدب الأطفال : د.هدى قناوى دار الأرقمالزقازيق1991
21) تحضير الطفل العربى لعام 2000- واقع الطفل العربى 1995.
22) وسائط أدب الأطفال الخطة القومية الشاملة لثقافة الطفل العربى تحضير الطفل العربى لعام 2000- واقع الطفل العربى 1995.
23) النمو النفسى الإجتماعى للطفل: د.محمد عماد الدين إسماعيل- سلسلة عالم المعرفة - المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 1986 ص 33.
24)نفس المرجع السابق ص 332.
25) فلسفات تربوية معاصرة د.سعيد إسماعيل على - عالم المعرفة عدد 198- المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب الكويت 1995 ص 114.
26) الثقافة العربية وعصر المعلومات مرجع سابق ص503.
27) نحن وثقافة  المستقبل :د. إبراهيم العجلونى عمان 1980
28) انظر - نحن وثقافة المستقبل :مرجع سابق 
-التربية والتقدم فى الوطن العربى :د.لطفى بركات أحمد دار المريخ الرياض 1979.
-تنمية ثقافة الطفل العربى : سمر روحى الفيصل- الجمعية الكويتية لتقدم الطفولة العربية الكويت 1988.
-الخطة الشاملة للثقافة العربية : المنظمة العربية للتربية والثقافة و العلوم ط2- تونس 1996.
- تنسيق وتكامل خدمات الطفولة فى دول مجلس التعاون الخليجى البحث الأول : التخطيط لخدمات الطفولة فى ضوء البحث العلمى وتحديد الأولويات د:قدرى حفنى . البحث الثانى : تنسيق وتكامل خدمات الطفولة فى دول الخليج سلسلة الدراسات الإجتماعية عدد(24)- المكتب التنفيذى لمجلس وزراء العمل و الشئون الأجتماعية المطبعة الشرقية البحرين 1994.

  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: ثقافة الطفل العربى… وتحديات العولمة ... أحمد عبد العليم أحمد Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top