بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الثلاثاء، 29 مارس 2016

أحمد عبدالعليم يكتب: في معنى الضمير

يعني الوعي ضمن ما يعني المعرفة بالشئ والعمل به، فالإدراك المتكامل للموضوع وفهم ملابساته، والتعرف على عناصره، ومن ثم تحويل هذا الإدراك وتلك المعرفة إلى سلوك، كل هذا يعني الوعي في مضمونه النهائي ... وفي كثير من الأحيان ما يرادف البعض بين الوعي (الذاتي) وبين مفهوم آخر (أكثر إرباكا) وهو الضمير، فالوعي الذاتي يعني فهم الفرد لذاته، ولمكوناته الثقافية والاجتماعية، وإدراكه للواقع، والذي يؤدي بدوره إلى العمل وفق منظومة سلوكية وقيمية، تتماشى في صميمها مع القيم العليا للمجتمع دون الاحتياج إلى رادع خارجي، سواء أكان رادعا ماديا أو معنويا، هذا الضمير في حد ذاته تشكل مكوناته تلك التفاعلات الجدليه بين الفرد والجماعة التي يعيش فيها، بين ثنائية الأنا /الآخر التي تتفاعل وأحيانا تتصارع من أجل تشكيل هوية الفرد الذاتية، ومن ثم قدرته على التكيف مع مجتمعه.
يتشكل الضمير إذن عبر المكونات الثقافية التي يعيشها الفرد في مجتمع يقدم له احتياجاته، ويسعى (قصديا) لتشكيل وعيه، يقدم له نموذجا قيميا يحتذى، ومنظومة ثقافية يتفاعل مع عناصرها، وتراثا حضاريا وفكريا يربطه بجذوره التاريخية، حيث ينشأ الفرد ويتشكل وعيه عبر غرس الفضائل التي تجعله قادرا على التعامل مع بني جنسه في مناخ من الأمان، دون توقع لتهديدات تبعث في نفسه القلق، ومن ثم يصبح الإنسان ذئب لأخيه الإنسان، فلنتخيل معا كيف يمكن لحوار أن ينشأ في ظل توقع متبادل بأنه يمكن لحوار كهذا أن ينتج عنه قتل أحدهما للآخر، فترك العنان للغريزة الإنسانية تحدد سلوك الفرد قد يعود على البشرية بخراب لا يمكن توقع تداعياته.
يتجلى الضمير الإنساني في أسمى صوره عبر القسم الذي يتلوه المصري في حضرة أوزوريس عقب موته ليعبر عن تحضر الأمة المصرية منذ فجر التاريخ عندما يقسم أنه لم يلوث ماء النيل، ولم ينظر لزوجة جاره، ولم يقتل حيوانا دون حاجة ولم يعذب حيوانا، وكان بارا بوالديه، ومراعيا للنبات والحيوان ولم أظلم، ولم أقتل .. الخ فالقسم يعبر في صميمه عن منظومة قيم تؤكد على احترام الطبيعة واحترام الآخر، والوفاء، وتقدير الحياة، واحترام الآخر، وهذه المنظومة لا يمكن لها ان تتحق عبر مراقب خارجي مهما كانت قواه، لقد آمن الإنسان بهذه المنظومة واعتقد في مصداقيتها، ومن ثم أصبح تطبيقها وتسييدها في المجتمع سهلا يسيرا.
بينما يتراجع دور الوعي، وتتراجع الفضائل، ويغيب الضمير عندما يفشل المجتمع وليس الفرد في صياغة منظومة قيم حاكمة، وقادرة على إقناع أفراد المجتمع كافة بشرعيتها، يغيب الضمير عندما تتبدل الأحوال ويصبح الحريصين على منظومة القيم في أدنى السلم الاجتماعي ويتم معاقبتهم على صدقهم وأمانتهم واحترامهم للفضائل، بينما يفلت المجرمون بجرائمهم، يغيب الضمير عندما يشيع الظلم في المجتمع، وتغيب العدالة.
والباحث في أحوال المجتمع والأخلاق يكتشف بسهولة ويسر أن ترسيخ القواعد السلوكية التي تعبر عن الفضائل الإنسانية، لا يمكن أن يتم من خلال رقيب خارجي، فلقد باءت كافة المحاولات التاريخية من هذا النوع بالفشل الذريع، ولم ينجح في هذا الصدد سوى قدرة المجتمع على صياغة الوعي الإنساني، وتشكيل الضمير الشخصي والجمعي، من خلال ممارسات عامة تؤكد على احترام الفضائل، واشارات وتنبيهات توضح تقدير المجتمع والقائمين عليه قولا وفعلا للقيم العليا، وطرح منظور اجتماعي/ثقافي يعبر عن منظومة القيم التي يضعها المجتمع نصب عينيه، فالقوانين العادلة هيالتي تصوغ ضمير الأمة وضمير أعضائها، والأحكام القضائية العادلة هيالتي تصوغ وعي الأمة ووعي أعضائها، وإنفاذ القانون على جميع أفراد المجتمع دون استثناء هي التي تشكل ضمير ووعي المجتمع وتؤصل لدى أفراده إلزام ذاتي بضرورة احترام والدفاع عن منظومة القيم الأخلاقية الفاضلة، إلى جانب إلتزام ذاتي باحترام واتباع القواعد والممارسات الأخلاقية، التي يؤسس لها النسق القيمي الذي ننشده من خلال توجهات عامة تعبر عن الصدق، والأمانة، والعدل، والفضيلة، والانتماء، والحب، والحرية.
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: في معنى الضمير Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top