تبدأ الأسر المصرية منذ
لحظة بدء العام الدراسي ، وربما قبلها بفترة كافية ، مرحلة الإعداد للعام الدراسي
الجديد ، وهو شئ محمود في بعض جوانبه ، وتأتي على قائمة الإعداد مجموعة من الأوامر
والنواهي ، توجه عادة للتلميذ ، أهمها ضرورة الالتزام بمواعيد النوم المبكرة ،
والامتناع عن اللعب ، بوصفه سلوكا من شأنه أن يضيع الوقت( هباء دون فائدة) ، حسب
ما يعتقد الكثيرون من أولياء الأمور ،
وربما يكونوا معذورين في هذا ، فالواجبات المدرسية التي تقع على عاتق التلميذ تثقل
كاهله ، ولا يصبح هناك وقت للعب أو ترفيه أو متعة ، ومن ثم تؤجل كافة المشروعات
المقترحة من هذا النوع داخل المنزل ، فلا وقت إلا للعمل والمذاكرة
تبدأ معاناة الطفل منذ لحظة الخروج من البيت
حاملا حقيبته وهي منتفخة بالكتب والكراسات فوق ظهره ، وكلنا شاهدون على هذا ، ثم
الوصول إلى المدرسة حيث يبدأ النشاط اليومي ، والوقت المدرسي ثمين ، ولذا لا ينبغي
أن يضيع بلا طائل ، وعليه يجب أن يكرس جميعه لشرح الدروس المقررة ، وأداء التطبيقات العملية عليها ، أما "الفسحة" فتخصص لمجموعات
التقوية ، التي وضعتها الوزارةلمساعدة التلاميذ على التحصيل ،
وينتهي اليوم الدراسي ليعود الطفل إلى البيت ، وطبعا لا وقت للراحة ، فالواجبات
المدرسية ومراجعة الدروس لا تقل أهمية عن الحصص المدرسية ، وما إن ينتهي الطفل من
كل هذا حتى يكون قد خارت قواه ، فلا يبقى وقت إلا للنوم والراحة ليبدأ غد جديد لا
يختلف كثيرا أو قليلا عن اليوم ، رحلة معاناة يومية يعيشها الطفل ، ومع الوقت لا
يصبح أمامه إلا اختيار من اثنين ـ أحلاهما مرـ الاستمرار في هذه المعاناة اليومية
، أو الإحباط واللامبالاة ، وفي كلا الاختيارين يتولد لدى الطفل إحساسا كريها
بالعجز ، يتبدى في صور سلوكية عديدة ، لعل أوضحها هو العنف الذي يمارسه الطفل على
ذاته أو على زملائه وأخوته وجيرانه ، وهو عادة ما يوقع أسرته في الحيرة ، دون أن يصلوا
لعلاج ، والعلاج بين أيديهم ، ولكنهم لا يستطيعون تنفيذه بمعزل عن المدرسة ،
العلاج الشافي هو اللعب .
واللعب لا يمثل وقتا ضائعا ، أو
سلوكا تافها لا فائدة منه كما يظن البعض ، بل هو فعل تربوي هام ورئيسي ، يمنح
الطفل الاتزان البدني والنفسي ، ويشعره بالسعادة والاستمتاع . وهو أيضا وسيلة
تعليمية ناجحة ، فعن طريق اللعب يمكن توصيل المعلومة أو المهارة المراد
توصيلها ، وعن طريق اللعب تتفتح حواسه
وتنمو . واللعب أيضا وسيلة رئيسة في التنشئة الاجتماعية للطفل ، إذ باستخدام اللعب
يتعلم الطفل قوانين الضبط الاجتماعي ، و قواعد السلوك ، مثلما يتعلم الانتماء
والتكيف ، فتتكون منظومته القيمية ، وينشأ
قادرا على التواصل مع المجتمع ومؤسساته الاجتماعية ، متقبلا لذاته ، ومن ثم متقبلا
للآخر . إن اللعب ببساطة هو الفعل الذي يمنح الإنسان إنسانيته كما قال
"شيللر" .
ولكي يتمكن الأطفال من اللعب ،
ولكي يصبح جزءا من المنظومة التربوية ، يجب أولا على أولياء الأمور أن يتعلموا كيف
يتعاملون مع أبنائهم ، وأن يؤمنوا بحقهم في ممارسة الحياة ، وأن يعلموهم كيف
يشاركون في صنعها ، وأن يمنحوهم الفرصة في اختيار الطريقة التي يحيون بها ، وربما
يسأل سائل : وهل يوجد أحد لا يحب طفله ، ولا يتمنى أن ينشأ سويا معافى ، وأن يكون
ناجحا في حياته وسعيدا ؟! والإجابة بالطبع
" لا " ، ولكن ما يحدث بالفعل هو العكس ، فوفقا لما يحدث في
الواقع قد تتمكن الأسرة ومن ثم المجتمع من تنشئة وإعداد شخص ناجح (بمعايير العصر )،
ولكنه لن يكون سعيد أو سويا ، والأمثلة أمامنا في الحياة اليومية وفي وسائل
الإعلام لا حصر لها .
ولكي يتمكن الأطفال من اللعب ، يجب على
القائمين على العملية التعليمية في مصر أن يردوا لهذه الوسيلة التربوية الهامة
اعتبارها ، بأن تصبح ضمن المنظومة التعليمية الرسمية ، أن يتعلم المدرس احترام
اللعب ، وأن يتعلم كيف يلعب . أن تعدل المناهج والمقررات الدراسية لتتناسب مع
اللعب كوسيلة تعليمية ، أن تتغير فلسفة التعليم ، أن نقلل من حجم الاعتماد على
الذاكرة لصالح الاعتماد على كافة قدرات الطفل العقلية والحسية . أن تحترم حصص
الرياضة البدنية ، وحصص الأنشطة العملية والترفيهية ـ الزراعة ، الرسم ، التدبير
المنزلي ، النشاط الفني والثقافي ..الخ .... أن يوضع ضمن المنهج الدراسي برنامج
للرحلات الترفيهية والثقافية ـ حدائق ، متاحف ، مسارح ..الخ وقبل كل هذا وذاك
أن يؤمن القائمون على تربية الطفل جميعهم بحق الأطفال في اللعب .
0 التعليقات:
إرسال تعليق