بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الجمعة، 18 مارس 2016

أحمد عبدالعليم يكتب : أنا حر ؟!

كيف نستطيع أن نمارس حريتنا في إطار هذه الظروف الموضوعية والذاتية التي تفرض علينا مسارات بعينها، وتضعنا في اختبارات وجودية، تجعلنا نسائل قدرتنا، وقيمنا، وتصوراتنا عن أنفسنا، وعن العالم، والآخر، بشكل دائم، كيف يمكنني أن أشير إلى ذاتي بثقة وأتحدث عنها بوصفها ذات حرة (أنا حر).
في كل فعل أقوم به يتبادر إلى ذهني تساؤل محدد المعالم، ما هو الاختيار الذي يعبر عن حريتي؟
تبدو الحرية عبء ثقيل، حيث يعبر كل اختيار أقوم به عن ملمح من ملامح ذاتي، فأنا لست ما أقول، لست ما أطنطن به من كلمات عن ذاتي، أوعن العالم، بل ما أقوم به من فعل، عبر اختيار شائك، عادة ما يكون بالغ الصعوبة والتعقيد، وكما يقول سارتر "الإنسان مشروع يسعى للاكتمال" فهويتي الشخصية ليست كوني ولدت إنسان بل ما سأفعله بإنسانيتي، فوجودي ليس من صنعي، بل هويتي هي صناعتي التي أعبر فيها عن وجودي وعن حريتي، وحريتي هي قدرتي على مقاومة الضرورة، فوعيي بشروط وجودي الخاص، والعام، في إطار ظروف موضوعية، وظروف ذاتية بعينها، هي التي تجعلني أقدم على اختيار بعينه بين بدائل عادة ما يكون أحلاهم مر، هذه المعاناة التي تواجهني عند كل اختيار هي التي تمنح لوجودي معنى، ولحريتي قيمة، وتجعلني قادرا على ممارسة إنسانيتي، وبناء مشروعي (هويتي).
أصطدم في كل لحظة أعيشها بظروف تحد من قدرتي على الفعل ومن ثم الاختيار، طبيعتي الجسدية تمنعني من إتيان أفعال أتمنى القيام بها مثل الطيران، تصوراتي عن نفسي تمنعني من القيام بأفعال لا تمثلني مثل السرقة، أو قتل مديري في العمل، (حتى في حال عدم وجود رجل الشرطة)، تصورات الآخرين عني والتي أساهم في تصديرها تمنعني من خيانة صديقي، وهكذا أنا محاط بشروط تجعل فعل الاختيار (الحرية) فعل شاق. في واقع الأمر أستطيع في لحظة ما أن أباغت رجل الشرطة وأسرق شيئا ما (أريده)، أو أنتقم من مديري بصدمه بسيارة والهروب بعيدا، ولكن هذه الأفعال لا تعني أني (حر) على أي نحو، بل تعني أني سارق أو قاتل.
تتضح معالم الفوارق الأساسية بين ما أقوم به من أفعال، وبين الأفعال التي يمكن أن أطلق عليها باطمئنان (فعل حر)، فممارساتي الغريزية، مثل بحثي عن الغذاء، أو إزاحة أحدهم لأجد لنفسي مكانا في أوتوبيس مزدحم، أو غيرها من الممارسات التلقائية التي تحفظ بقائي، لا تعبر في واقع الأمر عن شخص حر، بينما يمكن أن يصبح رفضي للرشوة من أجل الحصول على (غذاء) رغم ظروفي المعيشية الصعبة قد يعبر عن فعل حر بامتياز، رغم معاناتي اليومية في توفير سبل الحياة والبقاء.
اختياراتي تعبر في هذا السياق عن إرادتي الحرة، وعن وعيي بظروفي، ومن ثم أتحمل مسئوليها بنفس القدر من الحرية، فلا حرية دون مسئولية، ففي إطار الحرية لا يوجد مساحات للغفران، ولا توجد مساحات للتبرير والأعذار، وهنا تتبلور الصورة في صياغتها شبه النهائية، فإحساسي بأني شخص حر يستتبع مني أن أقوم في كل لحظة باختيارات صعبة ومصيرية، وأنا أعلم تمام العلم مسئوليتي عن عواقب هذه الأفعال والاختيارات، كما أعلم أنه لا مساحات للمغفرة والمسامحة، دون أن أدفع ثمن هذه الاختيارات، هذه الأفعال لا تحدث بمعزل عن الفضاء الاجتماعي، والإطار الفيزيقي الذي أحيا فيه، وهذا الفضاء وتفاعلي معه هو ما يشكل هويتي بوصفي حرا، وعلى حد قول أحدهم: تظن الطيور بينما تمارس فعل الطيران أن الهواء يشكل عائقا أو تحديا يمنعها من ممارسة هذا الفعل بسهولة ويسر، ولا تعلم في الواقع أن الهواء هو الذي يساعدها على الطيران. هكذا فعل الحرية، لا يمكن لنا اكتشاف حريتنا بمعزل عن المعوقات الطبيعية، والاجتماعية، وظروفنا الذاتية، ووعينا بهذه الملابسات يمنحنا حريتنا ويشكل هويتنا، ويمنحنا القدرة على بناء مشروعنا الوجودي الفردي، والذي يدفعنا لممارسة فعل الحرية عبر اختيار يومي أعظم بل وأصعب، وهو اختيار أن أكون كائنا بشرياعاقلا، ومفكرا، أو أكون كائنا حيوانيا غريزيا... في هذه اللحظة يصلح للمرء أن يسائل ذاته، أن يشحذ فكره، وأن يطرح سؤاله الوجودي على إدراكه/وعيه حول مدى ما يمارسه من مساحات من الحرية، ومن ثم يمكنه أن يطلق صيحته الوجودية باطمئنان ... أنا حر.  
  • تعليقات بلوجر
  • تعليقات الفيس بوك

1 التعليقات

  1. الحرية بالطبع عبء ثقيل حدا لذا يبحث الجميع عنها ويتحمل هذا العبء وعندما ينالها يعاني من عبء الخوف في زوالها والعبء الابر هو كيف يتعامل بها فيحاول التخلص ممن هذا العبء

    ردحذف

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب : أنا حر ؟! Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top