بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأربعاء، 2 مارس 2016

أحمد عبدالعليم يكتب: في معنى الدولة

تبدو الأزمة الاجتماعية الراهنة في صورتها غير الإعلامية، والبعيدة عن الأضواء، وتحليلات (الخبراء)، بين طرفين يملك (أو يتبنى) كل منهما تصورا مغايرا عن الدولة في صورتها الحداثية ( لا أرى في تنظيم الإخوان ومن ثم ممارساته ، مكونا من مكونات أحد الطرفين، بل أراه تحديا موضوعيا يواجهه كلا الطرفين، وقد يستفيد منه طرف في مواجهة الطرف الآخر، حسب ما يطرحه كلا الطرفين من مبررات وأسباب لدعم وجوده ).
يرى الطرف الأول (الذي ينحاز للقائمين على الأمور في مصر ما بعد الموجة الثورية في الثلاثين من يونيو) ذلك النموذج المثالي للدولة الذي طرحه "هوبز" حول الدولة المسيطرة والباطشة (التنين) التي يجب أن تسيطر على كل شئ، عبر مؤسساتها المتنوعة، منعا للاحتراب، وحفاظا على الحدود، وتكريسا لغلبة المجموع في مواجهة الفرد، بحجة أن الأفراد يزولون وتبقى الدولة، ويستمر المجموع، ، وهو مفهوم قديم يتأسس على رؤية للإنسان بوصفه كائن غريزي يسعى خلف مصالحه الخاصة واحتياجاته الأولية المباشرة، ومن ثم يصبح الإنسان (الفرد) عدو لأخيه الإنسان، إذا ما واتته الفرصة انقض القوي على الضعيف، وهنا يصبح غياب الدولة، يعني غياب القوة التي تمنع هذ الاحتراب، وتصبح الدولة هي الملاذ والملجأ، والطرف الوحيد الذي يحق له احتكار القوة من أجل منع الاقتتال، وهؤلاء يصبح تحقيق الأمن أسمى أمانيهم، وأعظم مطالبهم من القائمين على شئون الدولة، وهنا تصبح الدولة هي (المركز) والبشر هم الهامش، ولهم في تاريخ مصر مثالا واضحا على ذلك، فعبر قرون طوال لم يبق من مصر سوى حدودها التاريخية المعروفة، وهو دليل قاطع على صدق مفهومهم، وضعف حجة الطرف الآخر  ( تمثل أمريكا النموذج المثاليلهذه الرؤية)... 
أما الطرف الآخر (الذي يعارض القائمون على إدارة شئون مصر ما بعد الثالث من يوليو) فيرى في الدولة جهازا إداريا مهمته تسيير شئون الحياة داخل المجتمع الإنساني الذي تزايد تعداد سكانه (أعضائه) بصورة لا تسمح للكل بالمشاركة في إدارة شئون الدولة، فينتخب أعضاء المجتمع عددا من بينهم، يقومون بإدارة شئونهم، وينشئون المؤسسات اللازمة لتحقيق هذه الغاية، وهو مفهوم أسس له "جان جاك روسو" وتجلت تداعياته ونتائجه في الثورة الفرنسية، وانتشر في أوروبا عبر نماذج الديموقراطيات الأوروبية المختلفة، ويعلي هذا المفهوم من قيمة "المواطنة" بوصفها الركيزة الأساسية في مجتمع تنازل أعضاؤه طواعية عن بعض من حقوقه الطبيعية لصالح (مؤسسات دولة) تسهر على راحته، وتوفر له الأمن، وتسعى لتوفير حياة كريمة لكل عضو في المجتمع، وهي مسئولية القائمين على الدولة( تمثل دول أوروبا الغربية مثالا لهذا النموذج) إذا ما أنجزوها، تمت إثابتهم،  وإذا عجزوا عن إنجازها، تمت معاقبتهم، وهنا يصبح "المواطن" هو (المركز)، وتصبح مؤسسات الدولة هي (الهامش).
هذان النموذجان (المبسطان) قد تطورا عبر تعقيدات سياسية واجتماعية واقتصادية...الخ، على مدار العقود الماضية، وتطور معهما المجتمع الإنساني تطورا كبيرا، وكذلك تطور معهما القائمون على إدارة أجهزة ومؤسسات الدولة في كلا النموذجين، حيث تطورت أدوات ووسائل ومعارف أفراد المجتمع مثلما تطورت أدوات ووسائل ومعارف القائمون على إدارة المجتمع، وتغيرت تركيبة المجتمع الحديث تغيرا ملحوظا، ونشأت طبقات اجتماعية جديدة، وتطورت طبقات اجتماعية أخرى، وهذه التعقيدات المتوالية قد منحت القائمون على إدارة شئون المجتمع سلطات وامكانات أوسع، مثلما منحتهم امتيازات يدور الصراع من أجلها، ولكن تظل نقطة الانطلاق هي التصور الأولي عن طبيعة الدولة، عبر هذا التعاقد (العقد الاجتماعي) الذي يتم بصورة ضمنية بين المجتمع والقائمين على شئونه، عبر فضاءات اجتماعية وسياسية من الضروري اتاحتها لأفراد المجتمع وللهياكل المؤسسية التي يخلقونها (سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم ثقافية ... الخ) من أجل التواصل الإيجابي بين أعضاء المجتمع بمختلف توجهاتهم وآرائهم وبين القائمين على إدارة شئونه، لكي يتسنى عبر هذا التنوع والاختلاف تقديم صيغ فعالة وحيوية يمكنها تطوير المجتمع والحفاظ على بقائه واستمراره، وتدعيم قدرته على الصمود في مواجهة التحديات التي تواجهه والتي تتعلق في صميمها بقضايا وجوده .  
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: في معنى الدولة Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top