بحث في الموقع

https://3aleem1.blogspot.com.eg/

أخر الأخبار

Printfriendly

الأحد، 24 يناير 2016

أحمد عبدالعليم يكتب: بجماليون ... أسطورة الامتلاك


تروي الأسطورة حكاية فنان (نحات) يدعى (بجماليون)، قام بتشكيل تمثال لإمرأة من خياله، لأنه لم يكن يحب نساء الأرض، إذ يراهم ناقصات، وقد أبدع في صناعته، بداية من استخدام نوع من العاج النادر وردي اللون، فائق الجمال، ونهاية بكافة التفاصيل الفنية والإنسانية التي جعلت من التمثال نموذجا للإبداع والجمال، وبعد أن انتهى بجماليون من التمثال هاله جماله، فجلس يتأمل في جمال المرأة (التمثال) وسحرها، وربما كان معتادا أن يحب المرء ما يصنع، ولكن بجماليون لم يحب صنيعته وحسب، بل فتن بها إلى حد الهوس، كان يجلس ساعات طويلة متأملا في تفاصيلها، محدثا نفسه، متمنيا لو يجد إمرأة في صفاتها وفتنتها وجمالها، ويا حبذا لو تحول هذا التمثال بتفاصيله وصفاته الكاملة إلى كائن حي، كان يتمنى لو بثت الروح في هذه المرأة (جالاتيا) نادرة الوجود، وتحقق له فينوس أمنيته.

ربما يصبح علينا أن نتأمل أسطورة (بجماليون) من وقت لآخر، ليست لكونها رواية تاريخية نأخذ منها العبرة، أونستقي منها الخبرة، بل لكونها رواية كاشفة لطبيعة النفس الإنسانية في علاقتها بما تنتج ، الذات وقد أرغمت على أن تحمل في رحلتها الطويلة ثقل ما تنتجه، فالبعض منا يتعامل مع منتجه الذهني الخاص بطريقة تكاد تشبه طريقة بجماليون، يقدس ما يصنع، يفتن بما ينتج، وكأن المنتج (الخارجي/الموضوعي) يتحول إلى جزء من هويته الشخصية، يصبح تعبيرا عنه، وتجليا لذاته، يغضب إذا انتقده أحدهم غضبته لمن يهاجم شخصه، ويحزن لمن لا يحبه، حزنه على كراهية البعض له. وهو ما يطرح تساؤلا  يبدو مربكا، حول طبيعة العلاقة بين (الإنسان) وبين ما ينتجه من أفكار تتجلى من خلال أعمال تعبر عن نفسها بطريقة مادية، فبينما يتماهى البعض مع منتجه العقلي، للدرجة التي جعلت ديكارت يعلن في ثبات عقائدي راسخ مقولته الشهيرة "أنا أفكر إذن أنا موجود"، ويقرن كينونته بعملية التفكير، والتي عادة ما تتجلى عبر الوجود الخارجي، فيصبح المنتج الإنساني هو الذات وتصبح الذات هي ما تنتجه، نجد سارتر يتحدث بتواضع جم منكرا هذه المقولة الحادة: "إن الوعي الذي يقول "إنني" ليس هو الوعي الذي يفكر"، فالفكر كما يراه سارتر صورة من صور تجليات الذات التي برزت للوجود، ومن ثم يعبر منتج "الفكر" في تجلياته الموضوعية المختلفة ( رأي – كتاب – ديوان – رواية... ألخ) عن (الأنا) في لحظة ما، ولكنه لا يشكل كينونتها، فالمرأة الي يصنعها بجماليون، وتهبها "فينوس" الحياة استجابة لصلاته، تستقل موضوعيا عن صانعها، تصبح موضوعا خارجا عنه، ،  وفي النهاية  وفي لحظة كاشفة أخرى تغادره ، ترحل عنه، فالمنتج الفكري حينما يتعين يصبح له عالمه الموضوعي الخاص، يصبح الوقوع في فخ التماهي معه ضربا من العبث، وهو ما يطرحه "دريدا" عن "النص الأصلي" رافضا لوجوده، وربما ينسحب رفضه تدريجيا على كل ما يصنعه الإنسان .
ومابين تماهي "الأنا" مع "التفكير" وتجلياته، وبين رفض التماهي مع ما أنتجه من أفكار، تتحدد طبيعة العلاقة بين الوجود الإنساني في صيرورته الزمنية والمكانية، والتي تشكل ذاتي، وبين الوجود في العالم، تتبلور علاقة الذات بالآخر، عبر رؤيتي لهذ الجدلية التي تتصارع داخلي، بين كينونتي الخاصة وبين ما أنتجه من أفكار، لتشكل قراراتي، واختياراتي، ليس فقط في مواجهة العالم، بل في مواجهة ذاتي التي تتضاءل وربما تختفي تحت وطأة ما أثقل به كاهلي من كثافة التملك للأشياء الخارجة عني، أو أن أتحرر من هذا العبء، أن أكتشف كينونتي، وأتأمل ما أنا عليه، وخاصة عندما أدرك في لحظة ما، أني لست دائما المنتج الأصلي لكل ما يخرج عني من أفكار وآراء، بل فقط أجتر ما يلقى إلي .  
  • تعليقات المدونة
  • تعليقات الفيس بوك

0 التعليقات:

إرسال تعليق

Item Reviewed: أحمد عبدالعليم يكتب: بجماليون ... أسطورة الامتلاك Description: Rating: 5 Reviewed By: 3aleem
Scroll to Top